زيادة أسعار الفائدة تهدد بكساد الاقتصاد التونسي
زيادة أسعار الفائدة تزيد الطين بلة بزيادة تكلفة الاقتراض، في ظل معدلات النمو الضعيفة وارتفاع البطالة وضعف الاستثمار.
رياض بوعزة
تأتي زيادة أسعار الفائدة التي أقرها البنك المركزي التونسي مؤخرا لتزيد الطين بلة، والتي ستزيد من تكلفة الاقتراض، في ظل معدلات النمو الضعيفة وارتفاع البطالة وضعف نشاط الاستثمارات.
ويبدو أن القرار سوف يفاقم الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد، في ظل شلل حكومي بسبب صراع الطبقة السياسية الغارقة في مشاكلها منذ أشهر ومحاولات إعاقة إصلاحات الحكومة.
هذه الخطوة، جعلت خبراء ومحللين ينتقدون الطريقة المرتبكة لإدارة الاقتصاد التونسي، وما يترتب عليها من قرارات غير مدروسة تعصف بآمال المواطنين في معيشة أفضل وتجعل من وعود المسؤولين لمعالجة الاختلالات المزمنة أوهاما يستحيل الوصول إليها.
في الأسبوع الماضي، صدم البنك المركزي الأوساط الشعبية والاقتصادية برفع الفائدة بنسبة واحد بالمئة لتصل إلى 6.75 بالمئة، وهي الزيادة الرابعة في غضون عام، في محاولة لإنقاذ الدينار من التراجع المتسارع في قيمته وكبح معدل التضخم المرتفع الذي بلغ في نهاية مايو الماضي 7.7 بالمئة.
أول منتقدي القرار كان الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (منظمة الأعراف) الذي يبدو هامش المناورة لديه محدودا. وقد انتفض ضد الخطوة بإصدار بيان يؤكد أن قرار البنك المركزي سيقضي على ما تبقى من القدرة التنافسية للشركات المنهكة أصلا منذ أكثر من سبع سنوات.
في المقابل، برر البنك المركزي قراره بمساعيه لتوفير سيولة نقدية داخل النظام المصرفي بهدف تحفيزه على تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة وتحسين ظروف منح القروض واستهداف القطاعات المنتجة لتحريك عجلة النمو الراكدة.
علامات استفهام كثيرة رافقت القرار، فلا التوقيت مناسب ولا الوضع مشجع، وبالتالي فإن تعرض اقتصاد البلاد لهزات جديدة في الفترة المقبلة أمر مرجح رغم مراهنة الحكومة على الموسم السياحي الذي دخل ذروته لإنعاش خزينة الدولة بالعملة الصعبة.
هنا، يمكن أن نستشف أن السبب الرئيسي وراء تفاقم مشكلة العملة المحلية باعتبارها محرار قياس أي اقتصاد، هو البطء في تنفيذ الخطط الحكومية نظرا للحسابات السياسية الضيقة بين الأحزاب الحاكمة، والتي لم تدرك حقيقة خطورة ما يحصل، إذ يحمـل الكثيـرون سيـاسة التـوافق منذ 2014 بين نداء تونس وحركة النهضة مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع حتى اليوم.
ويتخذ البنك المركزي عادة قرار زيادة سعر الفائدة عندما ترتفع أسعار الاستهلاك ويجعل تكلفة التمويل مرتفعة فيتراجع معدل الاقتراض ويقل الإنفاق على الاستهلاك فينخفض التضخم. وفي المقابل يؤدي خفض سعر الفائدة إلى إخراج الاقتصاد من حالة الركود، وعبر هذه المعادلة يبقى الرهان معقود على حنكة محافظ المركزي مروان العباسي لإنقاذ الوضع.
بالطبع، لا تسير الأمور دائما كما هو مخطط، لكن هذه هي الحكمة الاقتصادية المعروفة بين صناع السياسات النقدية وإن كان ثمة عوامل أخرى تأخذ في الحسبان عند تحديد سعر الفائدة.
وفي ضوء ذلك، يبقى تعافي الدينار، الذي سجل تراجعا قياسيا مطلع هذا الأسبوع ليصل إلى نحو 3.08 دينار لليورو و2.66 للدولار، أمرا مستبعدا في الوقت الحالي، رغم المحاولات المستميتة من البنك المركزي لتفادي انهياره المحتمل.
ما يلاحظ أن السياسة النقدية المتبعة من قبل المركزي فيها الكثير من المخاطرة، فبينما تكافح السلطات لجذب الاستثمارات، تواجه سدا منيعا برفع سعر الفائدة ليصبح الاقتراض مكلفا، فتضطر الشركات لخفض أعمالها، كما يقلل الأفراد من انفاقهم الاستهلاكي.
المسألة لا تتعلق فقط بارتفاع كلفة تمويل المشاريع أو عزوف المستهلكين عن الاقتراض نتيجة لضعف قدرتهم الشرائية، فهي تنعكس أيضا بشكل مباشر على توفير فرص عمل جديدة لامتصاص البطالة والتي لا يزال معدلها يتجاوز حاجز 15 بالمئة.
كما أن من الانعكاسات غير المباشرة ما يؤدي إليه رفع أسعار الفائدة من ارتفاع في سعر صرف العملة المحلية، وهو ما يدفع المستثمرين بعيدا عن أسواق الأسهم نحو أسواق العملات لاقتناص الفرص وتحقيق الأرباح.
وفي ظل كل ذلك، تظل مشكلة الديون الهاجس الأكبر للسلطات فهي مطالبة بتسديد مستحقات للمؤسسات المالية الدولية وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي وإذا ما فشلت السياسة النقدية المتبعة من قبل البنك المركزي في توفير الأموال الضرورية فإنها ستواجه متاعب لا حصر لها.
في المحصلة، ليس من باب التهويل القول أن 2018 أقسى عام يعيشه التونسيون منذ 2010 ولا سيما في ظل احتمال انفجار فقاعة الديون التي تعد التحدي الأكبر أمام المسؤولين، ما قد يبدد فرص الخروج من دوامة الأزمة المزمنة.
وهناك قلق بالفعل من الانزلاق نحو مخاطر عدم قدرة الدولة على سداد القروض الخارجية وفوائدها، مع استمرار التوسع في الاستدانة دون وضع إعادة إعمار الاقتصاد وفق أسس صلبة ومستدامة في الاعتبار لرفع نسبة النمو والابتعاد عن المؤشرات السوداء.