زوابع زيدان
سمير عطا الله
أسبوع تلو آخر، يثير الدكتور يوسف زيدان في مصر عاصفة، أو زوبعة جديدة، إما كتابة وإما من منبر هاوي جمع الزوابع الإعلامية، الأستاذ عمرو أديب. واستناداً إلى ما يقول إنه ثوابت الأبحاث والعلم، تعرض زيدان إلى تاريخ مجموعة من الرموز المعتبرة في الذاكرة التربوية والشعبية، ابتداء من صلاح الدين الأيوبي ومرحلته البراقة في العصور الماضية، إلى الزعيم أحمد عرابي ومرحلته المتألقة في العصر الحديث.
ويجرح الدكتور زيدان، في تعمد واضح، المشاعر الوطنية عند الناس، ليس بما يأتي به من نظريات جديدة، ولكن باستخدام تعابير لا تليق بأحد: لا به، ولا بكتابة التاريخ، ولا بتصحيحها، ولا بذكرى المذكورين. فأحمد عرابي الذي غرس في الذاكرة على أنه صاحب أول ثورة قومية في مصر، لم يكن زعيماً، بل «فأراً»، وصلاح الدين «حقير».
لست مؤهلاً، ولا راغباً، ولا أملك الوقت للدخول في بحوث تدحض أو تؤكد حرب زيدان الجديدة على الرموز. أفضل أن يبقوا في ذاكرتي كما حفظتهم، وأعرف أن محاولات زيدان الفردية سوف تبقى دون جدوى. إنها مثل النظرية «العلمية» القائلة إن هوميروس كان مجموعة من الشعراء، وكذلك كان شكسبير. أو مثل طه حسين والشعر الجاهلي، فهو الوحيد الذي نفى وجوده وظل وحيداً. أو مثل المؤرخ الراحل كمال الصليبي، الذي اعتبر أن «التوراة جاءت من الجزيرة العربية».
طبعاً، إذا قرأت «الشعر الجاهلي» كرواية، فهو سرد مسلٍ، وأحياناً هو نظرية مُحتملة تستحق التساؤل لبضع ساعات. ويتقن الصليبي علم الأسماء ولعبة التشابيه، لكن لم يخطر له لحظة واحدة أن نقل فلسطين إلى عسير عمل أكاديمي مضحك بالدرجة الأولى. ولو وضعه في صيغة روائية على طريقة دان براون، لنال على الأرجح رواجاً، وحقق دخلاً، لكن إصراره على أنه عمل أكاديمي علمي، أبقاه محصوراً ضمن دائرة من الفضوليين. ولم يتصدَّ الصليبي فقط لجغرافيا فلسطين، بل قدَّم سيرة شبه ساخرة لحياة المسيح، الذي اعتبره رجلاً بعيداً عن الأنبياء، ويكاد يكون أقل عادية من العاديين.
وتشبه لعبة يوسف زيدان في العودة إلى فصول التاريخ لعبة كمال الصليبي. الأكاديمي الفرد، نافياً أعمال من سبقوه. وكلاهما أظهر حدّة في إثبات علومه، مضافاً إليها النكهة المصرية في حالة زيدان: «كلو أفلام هندية»!