“زهور تأكلها النار”.. ملحمة نسائية في كل العصور
“الزهور التي تأكلها النار.. يا إلهي لشد ما يمثلنا الشعار.. لشدّ ما يصبح نحن، ونصبح هو.. لكن هل فعلا ستأكلنا النّار كلّنا؟ أم يبقى بعض الأريج يعطّر أجواء المدينة؟”.
بهذه الكلمات أخذنا أمير تاج السر الكاتب السوداني عبر الزمان إلى بدايات القرن التاسع عشر، ليحكي لنا ملحمته عن الزهرة الجميلة “خميلة” والتي انتهى بها الأمر بين الحطب.
في مدينة السور التي تقع في السودان على حدود مصر، يتعايش الأقباط واليهود والمسلمين، هناك حيث ستندلع ثورة دينية نواتها قرية تدعى “أباخيت”، وتتشكل فيها الجماعات الجهادية، التي تستقطب الشباب من القرى المجاورة باسم الدين، يقتلون ويقطعون طرق القوافل ينهبون ويسبون، فتحل المجاعات وتنتشر الأمراض، أما “خميلة” الفتاة العشرينية ابنة التاجر القبطي الغني والأم الإيطالية، فيتم أسرها واحتجازها كسبية ونرى من خلال عيونها الجميلة طوال الرواية البلايا والمصائب التي تراها مع عدد من النساء في سرداب، يتم حبسهن فيه من أجل أخذهن كسبايا للمجاهدين.
“الزهور” في عنوان الرواية إشارة إلى كل النساء، فالرواية أنثوية بدرجة كبيرة رغم أن كاتبها رجل، وهو قلّ ما نجده في الأدب العربي، أن تتحدث امرأة عن طريق قلم رجل، والتجربة جديدة إلى حد كبير على الأدب العربي، و تحكي ألم النساء في مجتمع متزمت ومتشدد، فيما تمثل النار إشارة إلى الموت والدمار الذي يأكل هذه الزهرات المحترقات، اللواتي يقعن ضحية أحلام ذكورية، تُستخدم لتحقيقها الأفكار الدينية المشوهة والإرهاب.
“خميلة” في رواية تاج السر، ليست تلك الفتاة التي عاشت في بداية القرن التاسع عشر فهي كل امرأة عانت من ويلات الحرب ونيران التطرف، الذي شوه مجتمعاتنا العربية، فالرواية كُتبت في 2016 وترشحت لجائزة البوكر العربية في 2018، وكل المآسي ليست ببعيدة، والنيران ما زالت مشتعلة وما زالت الزهور حطبها، في كل يوم تعاني النساء في العالم من التهجير أو العنصرية أو الذكورية، رغم أنهن لسن من يشعلن هذه الحروب وهذه الثورات، ولسن من ينشرن القتل، هن فقط زهرات يحتجن للأرض والسُقيا، لكن النيران لا تترك لهن ذلك، ما مصير “خميلة”؟ هل ستهرب أم سينتهي بها المطاف كما انتهى بنساء سبقنها عبر التاريخ، ولحقنها منذ أن انتهت قصتها على يد تاج السر !
الرواية صدرت لأوّل مرة عام 2016 عن دار “الساقي” في لندن، ودخلت في القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2018، وهي النسخة العربية لجائزة “بوكر” العالمية للرواية.
وأمير تاج السر هو طبيب وروائي سوداني ويمت بصلة قرابة إلى الروائي العربي الشهير الطيب الصالح، نالت أعماله اهتمامًا كبيرًا من النقاد، وحققت شهرة عالمية وترجمت إلى عدد من اللغات منها الإنجليزية والفرنسية والإيطالية، ووصلت روايته “زهور تأكلها النار” للقائمة القصيرة هذا العام في “البوكر”، وكذلك في عام 2011 وصلت روايته “صائد اليرقات”.