رفع الفائدة لم يعالج الأزمة… ما الذي ينتظر تركيا الآن؟
جلدم أتاباي شانلي
لم يحدث قرار رفع أسعار الفائدة التركية 3 بالمئة إلى 16.5 بالمئة تأثيرات كبيرة على أركان الأزمة المالية والاقتصادية، لأنه اقتصر على الإقراض من نافذة السيولة المتأخرة ولم يحدث أي تعديلات في أسعار الفائدة على أنواع الإقراض الأخرى.
لذلك لم تتحقق وعود رئيس البنك المركزي مراد جتين قايا فيما يتعلق بتسهيل وتيسير السياسات النقدية. ومع أن البنك اتخذ إجراءات احترازية أخرى أوقفت انحدار الليرة، إلا أنها بقيت في مستويات ضعيفة فوق 4.5 ليرة للدولار وهي مستويات لم تكن تخطر في البال قبل عدة أشهر.
وكانت تطورات السوق قد أكدت ضرورة زيادة أسعار الفائدة منذ صعود الدولار فوق 4 ليرات، ولو تمت زيادة الفائدة حينها بنسبة 1.5 إلى 2 بالمئة لكان ذلك كافيا، لكن الزيادة بنسبة 3 بالمئة التي جاءت بعد فقدان السيطرة.
ورغم أن إعلان البنك المركزي الذي صاحب قرار رفع أسعار الفائدة يبدو سليما من الناحية الفنية لأقصى درجة؛ إلا أن من الواضح أن الزيادة لم تكن مؤثرة كثيرا.
بعبارة أخرى، إذا كان المستثمرون في السوق والمحللون جميعا يتحدثون عن ضرورة إجراء زيادة أكثر في أسعار الفائدة، فلماذا اكتفى البنك المركزي التركي بمشاهدة هبوط الليرة وفقدانها السريع لقيمتها في الأسابيع الأخيرة، ولم يتدخل إلا متأخرا بعد أن وصل انخفاض الليرة مستويات لا يمكن تحملها؟
إن الكلمة السحرية هنا هي “المصداقية” بلا ريب.
يبدو أن معدل التضخم بدأ بالارتفاع ليتجه من 11 بالمئة حاليا إلى 15 بالمئة بنهاية العام، وهذا التطور سيعني أن البنك المركزي فقد مصداقيته بالفعل في مكافحة التضخم، الذي يعادل 3 أضاعف متوسط التضخم في الأسواق الناشئة.
إن ارتفاع التضخم إلى أكثر من ضعف المعدل المستهدف من قبل البنك المركزي والبالغ 5 بالمئة هو أسوأ ما يمكن أن يحدث لمصداقية أي بنك مركزي وهي تزعزع الثقة في صحة البيانات التي يقدمها البنك للكيانات الاقتصادية العامة.
لا يمكن إخفاء مسؤولية الحكومة عن اضطراب المؤشرات الاقتصادية الكلية والتي أدت إلى انفجار التضخم من أجل التباهي بأرقام النمو المرتفع جدا، في وقت ارتفع فيه عجز الحساب الجاري وانحدار الليرة التركية، إضافة إلى الهشاشة الناشئة للديون الخارجية للقطاع الخاص التي أصبحت تعادل 30 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
إن الضغط الذي تتعرض له الليرة التركية بسبب العوامل الخارجية سوف يحدث بالطبع اضطرابا كبيرا للغاية، ومن المرجح أن يؤدي إلى هبوط عملات الدول الأخرى النامية وليس الليرة فحسب.
ومن المؤكد أن اتجاه مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى مزيد من خطوات رفع أسعار الفائدة الأميركية وارتفاع مؤشر الدولار مقابل العملات الأخرى سيخلق حالة من الفوضى والاضطراب الاقتصادي في الأسواق الناشئة.
المستثمرون فقدوا الثقة في البنك المركزي وهم يائسون من إمكانية توقف أردوغان عن التدخل في السياسات المالية
لكن في ظل تلك الضغوط، كان ينبغي على أي بنك مركزي مستقل أن يتخذ الخطوات اللازمة بشكل مبكر للدفاع عن عملته، في ظل العوامل الداخلية والخارجية الواضحة للعيان.
الملاحظ أن البنك المركزي التركي لم يتخذ تلك الخطوات، ولم يستطع اتخاذها. والنتيجة أن الليرة تصدّرت منذ بداية العام قائمة العملات الأسوأ أداء بين جميع عملات البلاد الناشئة باستثناء الأرجنتين.
أحد الأسباب الرئيسية كانت المقابلة التي أجراها الرئيس أردوغان مع قناة بلومبيرغ التلفزيونية في لندن، والتي أظهرت للعالم أجمع لماذا اضطر البنك المركزي التركي لأن يظل بلا حراك، ولم يتخذ أي خطوة للدفاع عن الليرة. سبب انهيار الثقة كان قول أردوغان إنه إذا تولى السلطة بعد انتخابات 24 يونيو؛ فإنه يريد أن يكون صاحب الكلمة الأخيرة في آلية صنع القرار في السياسة النقدية كما هو الحال في كل شيء آخر.
وبالنظر إلى الأشهر الستة الماضية يتضح كيف حاول أردوغان السيطرة على السياسة النقدية للبنك المركزي، وكيف أنه عارض حتى الزيادة الطفيفة في أسعار الفائدة في شهر ديسمبر الماضي.
في الواقع لم يتردد رئيس الجمهورية في أي مناسبة على الإطلاق عن الدفاع عن اعتقاده الخاطئ بأن ارتفاع أسعار الفائدة يولد التضخم، وهو ما يتعارض مع جميع القواعد الاقتصادية الراسخة.
وحين اتحد خطابه مع الهشاشة العميقة التي يعاني منها الاقتصاد التركي اتضح لأقصى درجة سبب عدم إحداث الزيادة الكبيرة في أسعار الفائدة لأي تأثير فعال في الزلزال الذي هز الليرة.
وكما هو الحال في تأثير “بوميرانغ” فقد كان ينبغي أن يرتد سعر الليرة بعد زيادة أسعار الفائدة إلى 4.0 ليرات للدولار، إلا أن ذلك لم يحدث وبقيت الخطوة دون تأثير بسبب استمرار خطر ضغوط أردوغان على السياسة النقدية بعد الانتخابات.
من الواضح أن المستثمرين قلقون من عرقلة وتأخير الخطوات التي ينبغي على البنك المركزي اتخاذها والمخاوف المتزايدة بشأن مستقبل تركيا، كلما قال أردوغان “إن أسعار الفائدة هي أس البلاء والشرور التي يعاني منها الاقتصاد”. وهو ما يجعل الخطوات التي يتخذها البنك المركزي بلا تأثير وغير فعالة.
إن فقدان الثقة والمصداقية من أوجه النقص والقصور الرئيسة في عالم المال اليوم. ويتوقع المستثمرون إقرار زيادة أخرى في أسعار الفائدة بنحو واحد إلى 2 بالمئة في اجتماع البنك المركزي في 7 يونيو.
وحين نضع في الحسبان ارتفاع التضخم سوف يصبح من الصعب توقع تعافي الليرة التركية من جديد، حتى إذا جاءت تلك الزيادة الضرورية في أسعار الفائدة.
أصبح من الواضح بالنسبة للجميع أن مشكلة البنك المركزي في إدارة السياسة النقدية ليست ناجمة عن نقص الأدوات والوسائل، وأن المشكلة تكمن في اعتقاد أردوغان الخاطئ بأن ارتفاع أسعار الفائدة هو ما يخلق التضخم وكذلك كراهيته للنظام العالمي المعتمد على أسعار الفائدة.
وأخيرا فإن البنك المركزي إذا لم يتمكن من رفع أسعار الفائدة في 7 يونيو فيعني ربط الأحزمة والاستعداد لحدوث تطورات خطيرة.