فرج عبد السلام
تفاجأ البعض، وربما هلّل آخرون لدخول امرأتين مسلمتين من أصول عربية إلى الكونغرس الأميركي، وأحسب أن من تفاجؤوا لا يملكون أدنى فكرة عن آليات الديموقراطية الغربية، ونمط تفكير العقل الغربي المغاير لنا بالمطلق، وعن تعريفه لفكرة المواطَنة. أما المهللون فربما رأوا في فوز رشيدة وإلهام اختراقا أيديولوجيا لمنظومة القيم الغربية التي يظنون خطأ، أنها معادية للإسلام والمسلمين بالمطلق، بل من الجائز أن البعض رأى أنّ ذلك يرقى إلى مستوى الغزو الناعم لمؤسسات الغرب ولأيديولوجيته ، واعتبار ما حدث مكمّلا للغزوات المدمرة والبائسة التي تتم باسم الإسلام، والتي يقوم بها الإرهابيون لما يعتبرونه فسطاط الكفار.
لكني أشك في قدرة أولئك وهؤلاء على استيعاب درس إلهام ورشيدة البليغ، وقراءة الدلالات لهذه المجتمعات الراقية التي، مهما كانت عيوبها، فإنها تُعلي من قيم الحق، والإنسانية، والمساواة، وحرية الاختيار، والأهم من كل ذلك أنها تؤمن بالمطلق بفكرة استيعاب الآخر، والتأكيد على قيم المُواطَنة بغض النظر عن العرق والدين، اهتداء بثقافة إنسانية عامة تُعلي من شأن الإنسان، وتستند إلى وثيقة/دستور كُتبت منذ العام 1784 تهدف لضمان حقوق الأفراد في الحياة والملكية، وفي حرية العبادة والتعبير والعيش الكريم، مهما كانت العواقب والتضحيات.
إن مثال المستشارة الألمانية ميركل، التي سمحت بدخول نحو مليون لاجئ من فسطاط الظلم والطغيان والقتل إلى بلادها، بالرغم من معرفتها الأكيدة بما ستدفعه من ثمن سياسي باهظ، هو خير دليل على إعلاء منظومة القيم الإنسانية عندهم مهما كانت التضحيات… كذلك من جيراننا الأقربين تنطلقُ رسالةٌ عميقة المعنى والأثر، بتوزير يهودي في هذه البلاد التي ما فتئت، رغم كل ظروفها الصعبة، تضرب الأمثال لمحيطها المترنح حول كيفية بناء الدولة المدنية الحديثة، ويجب أن نتعلّم منها نحن الذين لم نكف يوما عن التغني بأننا خير الأمم التي أخرجت للناس، وكيف أن التقوى هي المعيار الوحيد للتفريق بين البشر كما ورد في دستورنا السماوي، مع أن أفعالنا تشي بغير ذلك.
ألا يقودنا هذان الحدثان “التاريخيّان” في كل من أميركا وتونس، إلى إلقاء نظرة على وطننا المضطرب الغارق في دوّامة إقصاء بعضنا البعض، فنحن على سبيل المثل لا نعترفُ شكلا أو ضمنا بالحقوق التاريخية لسكان البلاد الأصليين من أمازيغ وتبو وطوارق، مصرّين على أن نفرض عليهم ثقافة ولغة وتقاليد غريبة عنهم، وما يستتبعُ ذلك من تفرقة وغمط للحقوق… أما مسألة رفض منح الجنسية الليبية لبنات وأبناء الليبيات المتزوجات من غير الليبيين، في الوقت الذي نمنحها لبنات وأبناء الليبيين المتزوجين من أجنبيات فهذه قمة العنصرية وإقصاء الآخر، والقائمة تطول لممارسات عنصرية أخرى، ليس أقلها عدم الاعتراف بحق اليهود الليبيين في العيش في وطن تجذّروا فيه لمئات السنين وتشربوا ثقافته، وأثبت أغلبهم الولاء له، بالرغم من المكابدات اليومية التي يعانونها والتنغيص على حياتهم، من شركائهم في الوطن بسبب معتقدهم الديني.
حقيقة الأمر، هي يقيني أنّ حديثي هذا لن يقدم أو يؤخر في شيء، ويمكن إدراجه في خانة جَلد الذات، الذي نلجأ إليه أحيانا للتعبيرعمّا نشعر به من غربةٍ في مجتمع يسير إلى الوراء كل يوم، ويصرُّ أبناؤه على خوض حروب الإخوة العبثية التي لا أساس حقيقيا لها، دون أن نعي الأخطار التي تحيق بنا من كل الجهات، وأنّ حشود جيراننا من جنوب الصحراء، الذين ضاقت بهم الأرض، قد بدؤوا بالفعل في العمل بنظرية ملئ الفراغ لهذه الرقعة الشاسعة والغنية بالموارد، ولا ينقص مواطنيها شيء غير التحلي بقليل من الحكمة والعقل.