رسالة عاجلة من طبيب ليبي
وجه الطبيب واستشاري الجراحة، سالم علي الهمالي، “رسالة عاجلة”، إلى رئيس المجلس الرئاسي ورئيس مجلس النواب ورئيس المجلس الأعلى للدولة والقائد العام للجيش الليبي، حملت في طياتها العديد من التوضيحات بشأن واقع الصحة في ليبيا والآثار المتوقع أن يخلفها فيروس كورونا المستجد.
ننشر لكم تاليا نص الرسالة
رسالة عاجلة …
انا طبيب ليبي، وبدافع الحرص على الوطن والمواطنين واتباعا لما أمر به الدين، وانطلاقًا مما أعرفه بحكم اطلاعي وممارستي الطبية في مواجهة وباء كورونا في بريطانيا، أصبح لزامًا عليّ أن أكتب هذه الرسالة وأقدم النصيحة، فالأمر ليس خطيرا وحسب بل هو خطر يهدد الشعب الليبي عن بكرة أبيه متمثلا في انتشار جائحة فتاكة، وشرور جوع وعوز نتيجة الوباء والكارثة الاقتصادية التي تجتاح العالم.
إن هذا الوباء شلّ العالم، وتتفاقم أرقام ضحاياه كل يوم، موتى بالآلاف ومرجح أن يرتفع هذا الرقم في بريطانيا وحدها إلى ربع مليون خلال الأشهر القادمة. ومازالت المعلومات والتعليمات تتغير كل ساعة، فتقديرات الصباح تتصاعد وقت الظهر!.
فأنا -على سبيل المثال- أعمل في مستشفى سعته ٦٠٠ سرير، ويغطي تعدادا سكانيا يبلغ ٣٥٠٫٠٠٠ مواطن، فيه ١٦ سرير عناية مركزة، وأقصى قدرة ممكنة تبلغ ٣٨ جهاز تنفس صناعي … والمطلوب منا الاستعداد لدخول ٢٠٠ مريض مصاب، عدد كبير منهم بل الغالبية قد لا يجدون ما يكفي من الأجهزة والأطقم الطبية لرعايتهم و ٢٠٪ من الأطقم الطبية مرجح انها ستصاب بالمرض، مما يزيد من عبء الرعاية على المتبقين منهم لمواجهة أعداد تضيق بها إمكانيات كل الدول المتقدمة في العالم.
الآن، لا يوجد ما يكفي من إمدادات طبية، أدوية وأجهزة وكل ما يلزم، وكل الدول فرضت حظرا على تصديرها إلى الخارج بالمطلق. إمدادات الكمامات والألبسة الواقية والمطهرات الطبية أصبحت تصرف بالتقطير، لأنها لا تكفي، وقد تنضب بشكل سريع، فما تنتجه المصانع لا يواكب الاحتياجات.
ندرك أنه سيموت الآلاف، بل عشرات ومئات الآلاف من المرضى، أغلبهم من كبار السن والمرضى ممن لا توجد عندهم مناعة كافية نتيجة تعدد الأمراض، وأيضاً بعض الضحايا من فئات عمر شبابية.
انكماش اقتصادي
الآثار الاقتصادية الآن أصبحت كارثية، فالعالم مُقدم على انكماش اقتصادي يفوق ٤٪ وركود عظيم، ملايين سيفقدون مصادر دخلهم، ومئات الآلاف من الشركات ستنهار، الأمر الذي ستنعكس آثاره على كل دول العالم، خصوصا الأكثر فقرًا في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا.
أغلب الدول أغلقت حدودها ومطاراتها، وما لا يذكره الإعلام التأثير الكبير على النقل البحري الذي يغذي اقتصاد العالم؛ فسفن (الكروز) السياحية توقفت، وبواخر الغذاء تعطلت نتيجة إغلاق المصانع وإغلاق الحدود، مما سيجعل الدول المستوردة عرضة لنقص حاد في الغذاء، الأمر الذي سيعرض مواطنيها لخطر المجاعة.
وامتد التأثير إلى أسهم البورصات في كل العالم التي انهارت بنسب رهيبة، وتهاوت معها أسعار النفط إلى أقل من النصف، ولا يوجد في المنظور القريب ما يرجح تعافيها.
أيها السادة:
إن الخطر الداهم على ليبيا له وجهان:
الأول صحي؛ فانتشار الوباء يشكل تهديدا لحياة الناس، خصوصا مع وجود ضعف كبير في البنية الصحية التي لا يمكنها أن تواجه وباء بهذا المستوى، بالإضافة إلى ندرة أسرة العناية المركزة في ليبيا بالكامل، مما يعني أن كل الحالات المصابة من الدرجة المتوسطة والعالية ستكون معرضة للموت.
المطمئن إلى حدٍ ما، أن أغلب الوفيات ستكون في الأعمار التي تتجاوز السبعين سنة، وهم لا يشكلون نسبة كبيرة من عدد السكان كما هو الحال في الدول الغربية، لكن هذا لا يعطي مبررا للمسؤولين والحكومات ألا يكونوا مستعدين لرعايتهم.
الجانب الأكثر خطورة، هو إمكانية انتشار الوباء في جبهات ومحاور القتال، وأغلبهم من فئات عمرية صغيرة ومتوسطة، بما قد ينتج عنه كارثة عظمى تستنزف ثروة الوطن. ما نعرفه من استعدادات الدول المتطورة يعطينا درسا في تجنب المواجهات العسكرية، إذ إن هولاء هم من يعول عليهم في المحافظة على الأمن وتقديم الخدمات للآخرين من ذوي الحاجة.
الأمريكيون تعلموا درسا صعبا من تاريخهم سنة ١٩١٨، عندما عاد جنودهم من جبهات القتال في أوروبا، وتسببوا في انتشار المرض داخل الولايات المتحدة، تبعه سقوط موتى بمئات الآلاف.
أما الآخر وهو المرعب، فهو التأثير الاقتصادي …
النفط متوقف الإنتاج والتصدير، ويواجه نقص الطلب وهبوط الأسعار، ثلاث لكمات متتالية، لا يمكن لأحد ان يتحمل ارتداداتها، بالإضافة إلى تجميد الأصول الليبية في الخارج، وهي ستكون عرضة للنهب من كل الدول (الجوار والغربية)، فالكل سيكون جائعا ولن يجد ما يسد رمقه !
وبذلك تكون قد تكاملت حلقات الانهيار الاقتصادي العظيم في ليبيا: فلا نفط يصدر، ولا دخل للمصرف المركزي، ولا ودائع يمكن الوصول إليها، أضف إلى ذلك الارتباك العظيم في حركة الاقتصاد العالمي، فالمنتجون للسلع لن يقوموا بتصديرها وهم في أمس الحاجة إليها.
إن الشعب الليبي أمام كارثة غير مسبوقة، وبأيديكم أنتم قبل غيركم مسؤولية مواجهة هذا البلاء للخروج منه.
عليه …
أدعوكم اليوم بوجه عاجل أن تتنازلوا من أجل شعبكم، وتلتقوا على كلمة سواء، تغلق صفحات الماضي بكل آلامه وتفتح صفحة جديدة، واقترح عليكم الآتي:
1- إيقاف الحرب فورا في كل الجبهات.
٢- الاجتماع العاجل لتشكيل حكومة وحدة وطنية، والاتفاق على كيفية تسيير المؤسسات الاستراتيجية.
٣- توجيه خطاب موحد لكل الليبيين، وإيقاف كل الدعايات التحريضية المضادة.
هذا ما أراه يرضي الله سبحانه، ويحافظ على ليبيا وشعبها، داعيا المولى أن يهدينا جميعا سبيل الرشاد، وفقكم الله وسدد خطاكم
* سالم علي الهمالي (طبيب واستشاري جراحة)