رسائل ضمنية
عمر أبو القاسم الككلي
منذ أن خرجت من السجن، بداية مارس 1988، حرصت على ألا ألتقي أحمد إبراهيم في مكان نلاحظ فيه بعضنا، خشية أن يستفزني وأضطر للرد عليه ردا حادا. إذ من الصعب عليَّ جدا أن أتغاضى على أي استفزاز منه. ولم أكن في وارد المواجهة.
وحتى عندما جاء في إحدى السنوات السابقة على احتلال رابطة الأدباء والكتاب الليبيين سنة 2004، ليلقي محاضرة، لم أحضر. لأنه لو تطرق إلى قضيتنا وتحدث عنها على أساس أنها غير ملفقة، فسأكون أمام خيارين: التصدي له ومساجلته، وهذا تصرف غير مأمون العواقب، أو أن أسكت، وسيفسر البعض، على الأقل، سكوتي هذا على أنه تأكيد لمصداقية كلامه. وبالتالي آثرت الانسحاب. فأحيانا يكون الانسحاب شكلا من أشكال المقاومة.
لاحقا، طلب أحمد إبراهيم من الأمانة العامة للرابطة، التي كنت أحد أعضائها، القدوم إليه في سرت للاجتماع بأعضائها. كان إدريس المسماري ود. زياد علي، عضوا الأمانة، خارج ليبيا. ولم يكن يوجد من أعضائها سوى د. علي فهمي خشيم، الأمين العام، وإبراهيم حميدان، الأمين العام المساعد، وأنا، مسؤول مكتب شؤون المكاتب والعضوية.
قلت لإبراهيم حميدان، أنا لن أذهب معكم. لأن ثمة احتمالا أن يحدث صدام بيني وبين أحمد إبراهيم، وبالتالي أفسد الغرض من الاجتماع، وهو محاولة تليين موقفه من الرابطة. إضافة إلى أن الزمن كان شهر رمضان، وغالبا سيكون الاجتماع في بيته حيث سيعزمنا على الإفطار عنده. وأنا لا أريد أن أمنحه هذا التميز (كي لا أقول الشرف). لأن قبولي عزومته في بيته يعني أنني رضيت عما ألحقه بي من أذى وسامحته. وأنا لم أسامح. شخصيات النظام السابق يعتقدون أنهم هم المركز وأنك تنتظر رضاءهم عنك، حتى تهرع إليهم فرحا جذلانا. أنا كنت أرى الأمر عكس ذلك. فليس رضاؤهم عني هو ما يهمني، وإنما رضائي أنا عنهم.
حكي لي إبراهيم حميدان بعد العودة أن أحمد إبراهيم سألهما:
– هي الأمانة شكون فيها غيركم وغير الككلي؟.
وقد فسرت أن سؤاله كان يحمل رسالة ضمنية إليَّ مؤداها: “أعرف لماذا لم تأتِ، وأنا لا أمانع في اللقاء بك”.
وعند خروجهما من بيته أرسل إليَّ، حسب تفسيري، رسالة تأكيدية للأولى. إذ قال لهما بأنه كان يود لو أن الأمانة أتت بكامل أعضائها.