رسائل تونس وإسرائيل…
نبيل عمرو
لا بد من الانتظار قليلاً لمعرفة من سيكون رئيس تونس الذي سيجتاز المرحلة الثانية من الانتخابات، وكذلك لرؤية كيف ستترجم نتائج انتخابات الكنيست على صعيد تشكيل الحكومة الإسرائيلية، مع أن المؤشرات الأولية، لكن غير الحاسمة حتى الآن ترجح اللجوء إلى حكومة وحدة وطنية تضم الخصمين اللدودين كحول لافان والليكود ومعهما صاحب الفكرة أفيغدور ليبرمان.
غير أن نتائج الانتخابات التي أفرزتها تونس وإسرائيل، حيث شاءت الصدف أن تتزامن في البلدين، أظهرت أمراً مشتركاً يتعين الانتباه إليه واعتباره الجديد في المشهد السياسي الشرق أوسطي، ألا وهو تراجع نفوذ القوى التقليدية الذي كان محسوماً لمصلحة تقدم قوى جديدة تشكلت قبل أشهر قليلة من الانتخابات ودخلت السباق كما لو أنها تكملة عدد، ثم تمكنت من الفوز.
في تونس وحيال نفوذ القطبين البورقيبي العلماني والديني، لم يكن أحد ليتخيل مجرد تخيل أن يخرج القطبان من السباق لمصلحة أكاديمي يكاد يكون مجهولاً تماماً خارج نطاق تونس، وكذلك لمصلحة علماني هو رجل أعمال يحمل على كتفيه تهماً عدة لم يبتّ القضاء فيها بعد، لم يكن ذلك متداولاً ولا حتى متخيلاً بحكم طغيان صورة القطبين التقليديين وكأن النظام السياسي التونسي لا يمكن أن يعيش دون أحدهما!
المواطن التونسي عرف كيف يعاقب ويكافئ؛ فمنذ الإطاحة بزين العابدين بن علي وانفتاح الطريق أمام القطبين التقليديين لاحتلال الرئاسة والوزارة وما يتبعهما من مراكز النفوذ في البلاد، لم يلمس التونسي أي تقدم يذكر في أي مجال من مجالات الحياة.
لقد انشغل السياسيون في معارك تثبيت النفوذ، فتعطلت التنمية ولم يشعر التونسي بما يفترض أن يشعر به من خلال الوعود التي هطلت كالمطر في بواكير الربيع العربي، وكأن إزاحة بن علي عن قصر قرطاج، تكفي لأن تفتح أبواباً تلقائية للعدالة والتنمية والحرية والتقدم.
صندوق الاقتراع حين يكون هو وحده القادر على فعل الثواب والعقاب، كان قد منح حزب «النهضة» الإسلامي فرصة ثمينة ثم سحبها منه، ومنح حزب البورقيبيين العلماني فرصة أقوى وأكبر، وها هو يسحبها منه ولا يهم إذا كان البديل مشهوراً أو مغموراً؛ لأن الذي يهم المواطن المطعون بآماله أن يعرف من يسقط أكثر من أن يعرف من ينجح، وهذا ما حدث في تونس وعلى نحو ما في إسرائيل.
إسرائيل التي أعلنت النتائج الأولية لانتخاباتها ساعة كتابتي هذه المقالة شهدت تراجعاً وإن كان محدوداً في نفوذ الحزب المحتكر للسلطة على مدى سنوات طويلة، كما أظهرت النتائج بالمقابل، تقدماً للمنافسين الجدد الذين تشكل حزبهم قبل وقت قصير من إجراء الانتخابات السابقة والحالية، لم يكن التغيير حاسماً بحكم طبيعة التركيبة السياسية والعقائدية في المجتمع الإسرائيلي، إلا أن ما حدث ينبئ بتغيير أكبر في الانتخابات القادمة.
الرسالة الأهم لما حدث في إسرائيل وتونس موجهة لكل القوى التقليدية في كل مكان، وخصوصاً في كيانات العالم الثالث…
تقول الرسالة… إن النوم على حرير النفوذ المتكرس بحكم احتكار السلطة لن يكون مريحاً، وإن نتائج الانتخابات لن تكون مضمونة إذا ما جرت بنزاهة وشفافية، فقد سئم المواطن القطبيات التي أورثته المآسي وخيبات الأمل وأنتجت له الربيع العربي الراشح بالدم والألم والحزن، ومن خلال صندوق الاقتراع سيحصل هذا المواطن على فرصة العقاب قبل أن يفكر في الثواب، ولهذا ميزة مهمة، وهي أن من كافأه صندوق الاقتراع بنجاح سيفكر وهو في سدة الحكم فيما حدث لأسلافه، فإن لم يحرز النجاح الثاني والأهم، أي نجاح الأداء والإنجاز، فسيلقى به الصندوق ذاته إلى الرصيف أو إلى أي مكان آخر غير القصر الرئاسي.