رسائل الانتخابات المحلية واستدلالاتها المباشرة
الجمعي قاسمي
أدلى الناخبون التونسيون بأصواتهم في الانتخابات البلدية التي جرت الأحد، ضمن مشهد سياسي تتنازعه الكثير من التحديات المفتوحة على أزمات سياسية مركبة، واقتصادية معقدة، وأخرى اجتماعية بالغة التعقيد.
وجاءت النتائج الأولية لتلك الانتخابات صادمة للجميع، ودفعت برسائل سياسية ومجتمعية وسط حزمة من الدلالات التي بات يتعين على كافة مكونات المشهد السياسي والحزبي في البلاد العمل من أجل تفكيك مضامينها المتعددة، وأبعادها التي ارتسمت في اتجاهات مختلفة.
بل إن خارطة النتائج الأولية لهذه الانتخابات، تكشف عن تحول نوعي في محددات المشهد السياسي، يرجح أن تتجه نحو تعديل موازين القوى الحالية، وصولا إلى رسم ملامح المشهد الجديد الذي بدأ يتشكل على وقع تلك الرسائل بأبعادها المختلفة.
ولعل الرسالة الأبلغ التي انطوت عليها تلك الانتخابات، هي تلك التي عكستها نسبة الإقبال الضعيف والمتدني على صناديق الاقتراع، التي تجاوزت بقليل 33 في المئة، لتبرز عزوفا خطيرا لدى المواطن التونسي عن المشاركة في الشأن العام تراكمت عوامله على مدى السنوات الماضية.
وتختلف القراءات حول أسباب هذا العزوف الذي جعل نسبة المشاركة في الانتخابات تتهاوى بهذه السرعة الكبيرة التي جعلتها تتقلص بنحو الضعف بالمقارنة مع النسبة المسجلة خلال الانتخابات التشريعية والرئاسية التي جرت في العام 2014، والتي اقتربت من 70 في المئة.
ومع ذلك، فرض هذا العزوف المرشح لأن تتسع دائرته أكثر فأكثر، جملة من التساؤلات حول استدلالاته المباشرة التي لا تخرج عن سياق فشل مختلف القوى السياسية والحزبية في الحفاظ على قاعدتها الانتخابية خلال المحطات والاستحقاقات الهامة.
ويرسم هذا العزوف، محددات التموضعات في المشهد السياسي الذي بدأ يتشكل في عملية متسارعة تغلب عليها صفة التحول الدراماتيكي نتيجة المعادلات المفاجئة، التي كشفت عنها النتائج الأولية لهذه الانتخابات.
وتتمحور هذه المعادلات المفاجئة حول دور المستقلين في المشهد السياسي، والمقاربات المستجدة التي ترتبط بالحسابات التي فرضت وجودها بعد النتائج اللافتة التي حققوها في هذه الانتخابات، حيث تفوقوا على كافة الأحزاب، وخاصة الحاكمة.
وأثار هذا التفوق الذي شكل بداية انعطافة سياسية بارزة تعددت أشكالها، الرعب في صفوف الأحزاب التي تُوصف بالكبيرة في البلاد، وخاصة منها حركة النهضة الإسلامية التي رغم فوزها على بقية الأحزاب في هذه الانتخابات، فإنها خسرت الكثير من قاعدتها الانتخابية، وذلك في تدهور خرج عن سياق التحكم فيه.
ويتضح هذا التدهور من خلال الأرقام المعلنة التي تشير إلى أن هذه الحركة خسرت في أقل من أربع سنوات، 577 ألفا و838 صوتا خلال الانتخابات البلدية.
ويشكل هذا التدهور برهانا جديدا على تآكل القاعدة المحيطة بهذه الحركة المحسوبة على الإسلام السياسي، ودليلا إضافيا على فشل الخيارات الأساسية والبديلة التي تلوح بها، إلى جانب بدء انكشاف غطاء المناورة والمراوغة والتضليل الذي حكم ويحكم توجهات حركة النهضة وتلك التنظيمات.
ويستدعي هذا المعطى قراءة سياسية معمقة لتحديد أبعاده ومدى تأثيره على التوازنات العامة في البلاد خلال مرحلة ما بعد الانتخابات، وكذلك تداعياته على الاستحقاقات القادمة، لا سيما وأن البلاد تستعد لتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية في العام القادم.
وتكتسي هذه المسألة أهمية بالغة قد تختلف مقاربتها لاعتبارات تتعلق بالطرف المقابل لهذه الحركة التي لم تعد قادرة على التحكم في تدهور مخزونها الانتخابي، لكنها تلتقي عند نقطة التأكيد على ضرورة أن تسارع القوى الحداثية إلى المسك بخيوط المعادلات الجديدة لرسم مشهد سياسي يقطع مع التوافقات المغشوشة.