رحيل رضوان بوشويشة.. سبيكة الوجد والإبداع المتمرد
عبدالرحمن شلقم
بعد رحلة طويلة وعريضة في الأرض والفكر والإبداع والعناد والتمرد ، ترجل الصديق والأخ العزير رضوان بوشويشة.
عرفته عام 1974 م وكنت صحفياً شاباً في صحيفة الفجر الجديد، وكان رضوان عندئذٍ من الشخصيات الأدبية التي تقلع بقوة في دنيا الكتابة من منصة صحيفة “الفجر الجديد” اليومية و “الأسبوع الثقافي”.
كانت الظروف العامة في البلاد في حالة ترجرج وسيولة ثورية تزرع القلق خاصة بين النخبة المثقفة.. رضوان عاش في إيرلنده واقترب من دنيا الفكر الذي لا يقيده كبل سياسي أو موروث متراكم.
كان لقائي الأول به في مقهى زرياب مع مجموعة من المثقفين.. صوته عال صدامي ويستشهد بالتاريخ والمبدعين، لكنني لمست فيه شخصية حرّة إلى حد التمرد الشامل.. مع مرور الأيام قامت بيننا علاقة أخوة وتوالت اللقاءات.
بعدما ترأستُ صحيفة الأسبوع الثقافي صار اللقاء شبه يومي، وكان رضوان الصوت الثقافي والفكري والكاتب المتميز.. جلسات طويلة مع الصادق النيهوم الذي كان يحتفي برضوان، يناقشه ويستفزه ويعلق عليه بكلمات وبسمات.. قال رضوان بوشويشة مرة: أنه ذاهب لتغطية أحد المؤتمرات، علق عليه الصادق قائلاً: أنت لن تغطي المؤتمر بل ستعريه.
رضوان كتب القصة والقصيدة والمقالة، لكنه بقي الباحث عن الإناء المناسب الذي يدلق فيه تمرده وقلقه الحار.. كان رضوان سبيكة إبداع ليبي متفرد.. تحرك بين إيرلنده، حيث تزوج من بناتها وبين صحراء فزان مستنطقاً وجهاً آخراً من الوجود الليبي، وفي طرابلس تماهى مع حواس التاريخ الذي تجسد في البنيان والملابس والكلام.. وكان يجد نفسه في بنغازي بين شوارعها وأزقتها وعلى صفحات جريدة الحقيقة.
أخيراً، امتشق الألوان وخاض بها ملاحمه الصوفية ورسم القلق النافر ولاحق زفرات الإنسان والطبيعة وأسس مدرسة خاصة في الرسم بالعيدان والألوان وحول القماش إلى لسان يسأل، فكانت لوحاته سطور فلسفة لها حروف من ألوان وخيوط وخشب .
رضوان أبوشويشة، رحلة ليبية رحلت مثل قافلة غاصت في تيتانيك الرمال، لكن ما كان على ظهور جمالها من غرائر ومزاود ممتلئة ، ستنساب بين الفجاج لتسكن في الوجود والوجدان الليبي .
رحمك الله أيها العقل المتمرد على المكان.. العزاء لابنتنا فرح التي كانت تفرح بلا حدود عندما أدعابها وهي تتنقل بين أبيها وبيني، والعزاء موصول إلى كل عائلته وأصدقائه وكتَّاب ليبيا الغالية ومثقفيها ، وإلى كل وطننا المكلوم وهو يودع قامة استثنائية.. وأقول ياملح الأرض عليك السلام ولك الرحمة .