رئيسة العالم القادمة
فرج عبدالسلام
لم يعد وجودُ امرأة في المناصب العليا والحساسة وقيادة الأمم مدعاةً للاستغراب الشديد في العالم، وإذا ما تجاوزنا القائدات الأكثر شهرة عبر التاريخ، من زنوبيا ملكة تدمر، وكليوباترا آخر فراعنة مصر البطلمية، والملكة فيكتوريا التي حكمت الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس، ففي الزمن القريب أصبح وصولُ المرأة إلى سدّة الحكم أمرا مألوفا، من انديرا غاندي التي حكمت بلد المليار إنسان في الهند لأربع فترات متتالية، والحديدية مارغريت ثاتشر في بريطانيا، إلى الكثيرات من الزعيمات اللائي وضعن بصمة في مسيرة بلدانهن في قارات العالم المختلفة. طبعا ولأسباب تتعلقُ بالثقافة والمعتقد والتاريخ المشكوك في صحته، هناك استثناءٌ في عالمنا العربي الذي ينظرُ في معظمه إلى المرأة باعتبارها متاعا نفيساً مكانه خلف جدران مغلقة، وأنها ناقصة عقل ودين، وأن ولاية المرأة شؤون الناس ستجعل القوم مجانبين للفلاَح، استنادا إلى حديث نبوي يرى البعض عدم صحّته، وحتى إن صحّ فهو يتعلّق بحادثة معينة في ظروف مختلفة وفي زمن قديم. ومن المفيد أن نذكّر أن النساء في السعودية وهي الدولة العربية الكبرى التي يُقتدى بها، لم يحصل على حق قيادة سيّارة إلاّ بعد لأي شديد، وضغوط خارجية عديدة كان لا بدّ من الاستجابة لها. وربما أصيب بعض هؤلاء الذين يحملون هذا الفكر بالصدمة عندما رأوا في بداية هذا العام، لبنان يستوزر ست نساء دفعة واحدة، أي ثلث الحقائب الوزارية وفي مواقع حسّاسة من بينها الدفاع. ونحن الذين رفعنا حواجبنا تعجّبا واستغرابا في ستينيّات القرن الماضي عندما وظّف جمال عبد الناصر السيدة حكمت أبو زيد، كوزيرة للشؤون الاجتماعية، ومذّاك الوقت سار العرب على المنوال نفسه فأصبحت هذه الوزارة من اختصاص النساء، إذا ما غامرت السلطة الحاكمة وقررت توزير امرأةٍ ما لرفع العتب.
مناسبة هذا الحديث هو ما سيجري في انتخابات الرئاسة الأميركية في نوفمبر القادم، وسواء أحببنا أم لم نفعل، فغالبية العالم ترى لاعتبارات عديدة أنّ أميركا هي رئيسة العالم، حتى الآن على الأقل. وبالتالي فإنّ رئيسها هو رئيسُ العالم افتراضيا على الأقل، ومن ثمّ إذا ما حكمت امرأة ما الولايات المتحدة الأميركية ستُصبح رئيسة للعالم.
في العام 2016 كاد العالم، والأميركيون خاصة أن يشهدوا هذا التحوّل المهم (الكارثة عن البعض في منطقتنا) في وضع ومكانة المرأة في الأزمنة الحديثة، وكادت هيلاري كلنتون، أن تصبح أول رئيسة للدولة الأقوى في العالم، لولا أن حالت بعض الأمور دون ذلك، فخبا الحلم الكونيّ إلى حين، على الرغم من أنها حصدت غالبية الأصوات الشعبية بفارق تعدى ثلاثة ملايين صوت!
الآن قد يعيد التاريخ نفسه بعدَ التزام “جو بايدن” المرشح الديموقراطي للرئاسة باختيار امرأة لتكون نائبة له، وماكينة الحزب تعملُ بكل جدية على المفاضلة بين الأسماء العديدة المطروحة، وحسب التسريبات التي تناقلتها المنابر الإعلامية فقد انحسر الاختيار بين أربع نساء هنّ السيناتورة المخضرمة إليزابيث وارين، والسيناتورة كمالا هاريس، والنائبة فال ديمينغز، وعمدة أتلانتا كيشا لانس بوتومز، والثلاث الأخيرات من أصول أفريقية. المثير في الأمر أن جو بايدن، إذا ما انتُخب سيكون في أواخر عقده السابع، وبالتالي أكبر رئيس أميركيّ يتقلّد المنصب، ومع عدم تجاهل احتمال مرض الرئيس وأن يصبح لأيّ سبب كان غيرَ قادرٍ على استكمال ولايته، ستنتقلُ الولاية مباشرة إلى نائبته التي ستكون رئيسة لأميركا. فعلى الشوفينيين من الذكور أن يجهزوا أنفسهم لهذا الواقع الجديد، الذي ستكون فيه امرأة وغالبا سمراء البشرة رئيسة للعالم…