رئيسان في ظل واحد!
سمير السعداوي
بعد طول انتظار، يلتقي الرئيسان دونالد ترامب وفلاديمير بوتين وجهاً لوجه، خلال قمة مجموعة العشرين في هامبورغ الشهر المقبل. مشهد اللقاء يكاد يكون كاريكاتورياً، ما لم يكن سوريالياً، إذ خيّم ظل «سيد الكرملين» على الأيام الأولى لعهد ترامب، ولا يزال يطارده بمزاعم حول تدخلٍ في حملة الرئاسة الأميركية، في شكل رجح كفة ترامب على منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون.
أمر لم تكن إدارة الرئيس السابق باراك أوباما وضعته في الحسبان، لذلك تجاهلت تحذيرات مبكرة من وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إي) حول قرصنة روسية لموقع حملة الديموقراطيين لسرقة وثائق سرية، نشر مضمونها لاحقاً موقع «ويكيليكس» بهدف التأثير في الانتخابات لمصلحة المرشح الجمهوري.
لم يكن أوباما ولا فريقه في وارد الشك للحظة بأن وزيرة الخارجية السابقة يمكن أن تخسر الرئاسة، كما نشرت صحيفة «واشنطن بوست»، مشيرة إلى أن الرئيس الديموقراطي ندم لاحقاً على تجاهله التحذيرات التي كان يسعه التحقق منها واستخدامها لإدانة الروس والقضاء على فرص المرشح الجمهوري آنذاك.
الخطير في الأمر أنه لم يقتصر على إشاعات وأقاويل، بل ثمة محقق مكلف من قبل وزارة العدل بمتابعة هذا الملف، هو المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيديرالي (أف بي آي) روبرت مولر. وإن كان ليس مرجحاً أن تؤدي نتائج التحقيقات في هذا الشأن إلى عزل الرئيس أو إدانته، فإن مما لا شك فيه أنها المرة الأولى التي تصل فيها اتهامات من هذا النوع إلى هذا المستوى من الشكوك، إذ لم يسبق أن ظهرت معلومات عن تدخل موسكو لإيصال مرشح إلى سدة الرئاسة في أميركا.
عندما استجمع أوباما قواه لمواجهة بوتين في موضوع القرصنة الإلكترونية خلال قمة العشرين العام الماضي، كان الضرر قد وقع ولم يكن في الإمكان إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، لكن المراقبين يجدون من الصعب أن يتمكن ترامب من تجاهل الموضوع خلال لقائه الأول مع نظيره الروسي.
غير أن خطورة الأمر تكمن في ما قد يكون عبارة عن نيات مبيتة لدى الأوروبيين، وتحديداً مضيفي القمة الألمان، لاستغلال القضية من إجل إحراج الضيف الأميركي والضغط عليه في ملفات عديدة تشكل موضع خلافات جذرية، سواء كان في ما يخص تراجع ترامب عن الاتفاقات حول حماية البيئة أو سعيه إلى «حمائية» تجارية لم يكن الألمان يتصورون أن تعود لتشكل تهديداً لمصالحهم، لولا وصول الرئيس الجمهوري إلى البيت الأبيض.
لا شك في أن المستشارة الألمانية أنغيلا مركل لن تكتفي بمتابعة ملابسات اللقاء بين بوتين وترامب، بل ستعمل جاهدة على استغلال أي ثغرات لمصلحتها، وهي بدأت مبكراً التحضير لخطوات لليّ ذراع الرئيس الأميركي وإقناعه بالتخلي عن التصلب الذي ميز مواقفه في قضايا التجارة والبيئة. وليس سراً أن المستشارة أثارت الموضوع مع شركائها الأوروبيين خلال لقاءاتهم في بروكسيل الأسبوع الماضي، ودعت إلى لقاء لقادة الاتحاد الأوروبي قبل قمة هامبورغ، للبحث في سبل الضغط على ترامب لتليين مواقفه.
وسيكون جزءاً من المجهود الأوروبي تسليط الضوء على التباينات المتزايدة في موقفي موسكو وواشنطن، خصوصاً حيال سورية، وأيضاً مع تجديد العقوبات الأميركية المفروضة على روسيا بسبب سياساتها في أوكرانيا.
وأياً يكن مستوى الاتصالات التي سبقت الانتخابات الرئاسية الأميركية بين فريق ترامب ومعاوني الرئيس الروسي، فإن مما لا شك فيه أن الأخير لم يستطع حتى الآن ترجمة أي من مزاعم التدخل لمصلحة تمرير سياساته في أي مكان في العالم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة “الحياة” اللندنية