ذائقةُ الصحافي الخاصّة.. وعلاقتها بتصنيف الكتب
خاص 218| خلود الفلاح
هل يمكن للقراء الاعتماد على ذائقة الصحافي الخاصة في تقديم مراجعات الكتب؟ وهل يمكن أن يتورّط هذا الصحافي في عرض كتب لا يُحبّذها؟ هل ذائقة الصحافي هي فقط ما يجعلنا نُصنّف الكتب بين جيد ورديء؟
في هذا الاستطلاع؛ يتحدث صحافيون يعملون في حقل الصحافة الثقافية، عن عروض الكتب التي تخضع غالبًا إلى ذائقة واجتهادات المحرر فقط، خاصةً في ظلّ غياب أرقام حقيقية من دور النشر عن الكتب التي كانت الأكثر مبيعًا، أو حتى يتم تزويد الصحافيين بشكل دوري بنتاجات الدار.
لا يُنكر ضيوف الاستطلاع أنهم قد يلجؤون إلى الكتابة عن كتب لا يُحبّذونها في حال وقعوا تحت ضغط الابتزاز العاطفي من قبل أصدقاء مثلاً.
جمهور القراء
علقت الكاتبة والصحافية السورية ميسون شقير بالقول: أعتقد أن مراجعة الكتب والكتابة النقدية حولها تخضع لعدة عوامل بالإضافة طبعا لذائقة الصحافي، من هذه العوامل لدينا انتشار الكتاب، واسم الكاتب نفسه، وأيضًا توجه الصحافي الفكري والمعرفي، بالإضافة إلى الصدف التي تلعب دورا أحيانًا في وقوع الكتاب بين يدي الصحافي مثل أن يقدم له كهدية، أو أن ينصحه أحد الأصدقاء بقراءته، أو أن يكون الكاتب هو صديق للصحفي نفسه وهذا عامل هام للأسف.
وأضافت: طبعًا لا يمكن الحكم على ذائقة صحفي واحد عند إعداد قوائم الكتب في نهاية كل عام، بل يجب إجراء تقاطعات، كما يجب أن تؤخذ جداول من المكتبات ومن دور النشر بشكل سنوي، نعم يمكن أن يتورط الصحافي في الكتابة عن أعمال لا يحبذها، ولكن القضية هي فيما يكتبه، أي كيف يتناول الكتاب، وما هي الآراء النقدية التي يمكن أن يقدمها، وللأسف أيضًا تلعب الصداقة والعلاقات الشخصية، أحيانًا، دورًا، مع أنه في النهاية، العمل الجيد يفرض نفسه على الجميع وهذا هو المقياس الصحيح.
من جانبه، قال الصحافي العراقي كه يلان محمد: يجب التساؤل بشأن العوامل التي تشكل ذائقة الصحافي. الذائقة تنشأ من خلال القراءة والمتابعة، وصحيح من الصعب إحداث التحول في ذائقة المتلقي عمومًا والصحافي خاصة لكن الأمر لا يصل إلى درجة الاستعصاء وإلا لتحولت القراءة إلى عملية رتيبة فبالتالي عندما لا نختار غير ما يقرأه الآخرون فلا يمكن التحدث عن الذائقة الأدبية وقد تتوقف المغامرات لاجتراح آليات جديدة في التناول الأدبي ولا تجري الدماء الجديدة داخل أوردة الإبداع.
وأضاف: في الواقع أن المبدع هو من يتكفل بتشكيل الحساسية الجديدة لدى القارئ سواء أكان الأخير صحافيًا أو مجرد متابع للأدب إذاً فإن الأديب الذي يتمكن من تأسيس مفرداته ومناخ أعماله منطلقاً من قراءاته وخلفيته المعرفية يبدل من ذائقة المتلقي، ومن الضروري بالنسبة للصحافي قراءة ما يُناقض قواعد الذائقة المألوفة، وهذا جزء من وظيفته المتمثلة في البحث والاكتشاف ولكن يبدو لي أن كثيرًا من الصحافيين لا يشتغلون وفق هذا المبدأ بدليل أن صفحات الجرائد تعاني من حالة الاحتباس على مستوى الانفتاح خارج ما هو متداول من الأسماء الأدبية منذ عقود والصحافي المتخصص في الشؤون الثقافية على غرار صديقه المهتم بالمجال السياسي أصبح دوره تعليقاً على الحدث. فيما المطلوب من المتابع للأدب هو صناعة الحدث من خلال اكتشافاته.
وأردف: الصحافي الذي يبحث عن الجديد ولا يتقيد بالمتواضع عليه داخل الوسط الأدبي المخنوق ولا ينساق وراء صيحة التظاهرات الشكلية نعم يمكن الاعتماد على ذائقة صحافي يتميز بهذه المواصفات لمعرفة أكثر كتب تأثيرًا وجودة من حيث المحتوى في نهاية كل عام، وما يشكل تحديًا للعمل الصحافي أنه لم يعد منفردًا بالساحة بل يشاركه جمهور القراء في الاهتمام والحديث عن العناوين والمؤلفات الأدبية.
وتابع: اللافت في هذا السياق هو اعتراف كثير من الكُتاب عن إنصاتهم إلى آراء القارئ العادي بدلاً من انتظار ما يقوله الناقد أو ينشره الصحافي عن منجزه الأدبي، ممّا يعني أننا في مرحلة غياب الوسيط بين القارئ والنص.
وقال “محمد”: كل صحافي يحاول الاحتفاظ بهامش من الحرية في الكتابة لو كتب عن نص لا يوافق مزاجه وذائقته أو لا يعيش مع أجوائه، ينعكس هذا الإحساس في مقاربته ولا يخطئ القارئ في إدراك أن ما قدمه الصحافي ليس سوى واجب وظيفي ولا يحمل المقال الباهت شيئًا من مفاتيح التواصل مع النصّ.
اعتبارات إنسانية
من جهتها، قالت الصحافية المصرية سماح عادل: مراجعات الكتب تخضع لذائقة الصحافي فقط. لأني أعمل في موقع كتابات الالكتروني، ومسئولة عن صفحة تسمى “آفاق ثقافية” لذا فأنا أختار الكتب التي أراجعها بنفسي، ودون توجيه من أحد، لكن أعتقد أن مراجعات الكتب في الصحاف الثقافية تخضع بالأساس لقاعدة مراجعة الكتب حديثة النشر، لكن تتدخل أيضًا ذائقة الصحافي لأنه لابد وأن يحب ما يقرأ ويقدم مراجعة بشأنه.
وأضافت: الاعتماد على ذائقة الصحافي في اختيار الكتب التي يقدم لها مراجعة عند إعداد قوائم الكتب في نهاية كل عام تنطوي على مخاطرة، لأن هذه الذائقة تخضع لاعتبارات إنسانية، مثل علاقات الصحافيين بالكُتاب، وأصحاب دور النشر، واتجاه الصحافيين نحو الكتاب الأكثر شهرة وتهافتهم على عمل مراجعات لكتبهم، في الوقت نفسه الذي يتجاهلون فيه الكُتاب المبتدئين، هذا يحدث في مجتمعاتنا الشرقية، أعتقد في الغرب يتم الأمر على نحو مختلف، حيث يكون المعيار الأساسي نسبة قراءة كتاب ما، ونسبة انتشاره اعتمادًا على رصد نسبة مبيعات هذا الكتاب وانتشاره، لذا فقد تتم مراجعته والكتابة عنه لأنه لاقى قبولا لدى عدد كبير من القراء، وبالتالي تعتمد قوائم الكتب على ذلك أيضًا.
وأردفت أنها بحكم العمل؛ تقوم بتغطية ثقافية تشمل عدة بلدان في منطقة الشرق، لذلك تسعى دائما لقراءة أعمال الكُتاب من مختلف البلدان العربية على قدر استطاعتها، ونتيجة للصراعات في منطقة الشرق في الوقت الحالي وانعكاس تلك الصراعات على الأدب وخاصة الروايات؛ تجد نفسها متورطةً في قراءة روايات ومجموعات قصصية تتناول المذابح، والحروب، والصراعات والاقتتال الطائفي.
وتابعت: لا أدّعى أني أحب هذا النوع من الأدب، بل في أحيان كثيرة يصيبني بنوبات اكتئاب، مع ذلك أشعر بالواجب المهني، في تقديم تلك الكتابات، خاصة أنها تتمتع بقدر كبير من الحرفية والتميز. لكن مع ذلك هناك أعمال ورغم أني اقرأها بالفعل لكن أرفض عمل مراجعات لها إذا لم أحب طريقة كتابتها، أو شعرت أنها لا تتمتع بحرفية أو تميز، أو شعرت أن بها أفكار لا تتوافق مع أفكاري، أو لم تدفعني إلى الاستمرار في قراءتها بعد خمس صفحات، وقتها أشعر أن الاستمرار في القراءة عبء نفسي لا أستطيع تحمله حتى ولو كانت مهنتي تعتمد على ذلك.
من ناحيته، تساءل الكاتب والصحافي الفلسطيني المتخصص بالشؤون الثقافية أوس داوود يعقوب: ما المقصود بمراجعة الكتاب، هل نعني مجرد عرضه من خلال ما يصلنا من المؤلّف أو الناشر فقط، أم قراءة ما بين دفتيه بتمعن؛ قراءة نقدية تقدم إضافة يحتاجها القراء؟ إن ما نتابعه من كتابات لصحفيات وصحفيين عرب في معظم المنابر الإعلامية سواءً، مواقع إلكترونية أو صحف ومجلات، هو مجرد عرض لما يريده مؤلّف العمل أو ناشره لأنه وبكل صراحة يصعب على السواد الأعظم من الصحافيين اقتناء الكثير من الكتب الصادرة حديثًا بشكل منتظم، وذلك لسببين؛ أولهما أن غالبية دور النشر ليس لديهم قسم خاص بالإعلام السمعي البصري والصحافة الإلكترونية والمكتوبة، والذي من شأنه تزويد عدد من الإعلاميين والصحافيين بمنشوراتهم دورياً وبانتظام ليتابع هؤلاء حركة النشر والإصدارات الجديدة، والثاني أن الصحافي غير قادر في أحيان كثيرة على شراء الكتب لارتفاع أسعارها؛ وإن استطاع؛ ففي أغلب الأحيان سيعمل على كتاب واحد أو اثنين شهريًا لا أكثر، فالأوضاع الاقتصادية المتردية في غالبية أقطارنا العربية لها انعكاساتها على الصحافيين مثل غيرهم من شرائح المجتمع، خاصة إذا علمنا أن إدارات المؤسسات الإعلامية والصحافية لا تولي أهمية لمثل هذا الأمر، أعني دعم الصحافيين بمنحة تمكّنهم من اقتناء الكتب وهذا مؤسف جدًا.
وعن تجربته، قال يعقوب: الأمرٌ عائدٌ لذائقتي فما يحدث هو أنني أختار الكتاب الذي سأقوم بمراجعته وأعمل عليه إما بشكل مباشر أو بعد تقديم المقترح لمحرر الموقع المسؤول “رئيس أو مدير التحرير، أو رئيس القسم الثقافي”، ويتم الاتفاق بيننا على شكل مراجعة الكتاب. وفي أحيان أخرى “نادرة” يطلب المحرر المسؤول العمل على كتاب يرى أنه من المهم عرضه لسبب ما، فيكلف من يراه أهلاً للقيام بهذا العمل، فإن راق لي الكتاب عملت على إنجاز مراجعته، تاركًا لنفسي دائمًا حق الاعتذار عن القيام بما كلفت به، حصل معي ذلك أكثر من مرة ووجدت تفهمًا عزّز علاقتي مع المحررين المسؤولين الذين أتعاون معهم.
وأضاف: من الممكن الاعتماد على ذائقة الصحافي عند إعداد قوائم الكتب نهاية كل عام، لا سيما أنه سيكون واضحًا لقراء الصحيفة أو الموقع الإلكتروني أن هذا العمل يعبر عن رؤية وذائقة الصحافي أو من سبِرَّ آراءهم بمادته، وهذا عمل تقوم به معظم المنابر الإعلامية والصحاف والمجلات في نهاية كل عام، وهنا أؤكد على أمرٍ مهمٍّ، وهو أن الموضوع مرتبط هنا باسم الصحافي أو ضيوفه ومكانتهم في الساحة الثقافية والأدبية العربية وثقة القراء بهؤلاء ما يجعل مضمون المادة المنشورة رهناً بتلك المكانة والثقة.
وأردف: أما عن تورط الصحافي في الكتابة عن أعمال لا يحبذها، فهذا ممكن بحالتين؛ الأولى هي أن يكون موظفًا رسمياً في مؤسسة ما كـ وكالة أنباء رسمية أو حتى موقع خاص، لن يكون باستطاعته الاعتذار عن التكليف الذي أقره المسؤول المباشر فتلك وظيفته وعليه التنفيذ، والحالة الثانية قد تكون من باب الإحراج الذاتي فالبعض منا لا يستطيع، محبة وتقديرًا، أن يرفض طلب صديق له أصدر كتابًا ما وطلب من “قريبه أو صديقه” الصحافي أن يقوم بمراجعته والكتابة عنه، هنا يأتي الضغط من بوابة القربى أو الصداقة التي تورط بعضنا في ما لا نحب.
وتابع: المشين هنا، والذي لا بد من ذكره أن بعض الصحافيين يخضعون لمطلب الكاتب أو الناشر طمعاً في “رشوة- هدية”، أو سمّها ما شئت، مقابل الكتابة عن كتاب معين، شخصيًا كنت شاهدًا على مثل هذه الحالات، وكان ذلك مثار غضب شديد من بعض الزملاء وهو عمل غير مبرر أخلاقيًا ولكنه موجود لا يمكن إنكاره.
وقال “يعقوب”: الصحافي الملتزم أخلاقيًا بثقة القراء وبأدبيات العمل الصحافي وميثاق الشرف، إن وجد، عليه أن يكون بعيدًا عن أي ضغوط سواءً مالية من قبل دور النشر أو الكُتاب “بعضهم ميسور ولديه شهوة الحضور كمثقف بارز في مجتمعه”، أو حتى ضغوط عاطفية “صلة قربى أو صداقة” إذ لا بد من الفصل بين العلاقات الشخصية والمنافع الشخصية والعمل، إنها مهمةٌ ليست صعبةً، وآمل أن يتحلى كافة الزملاء والزميلات بأخلاق العمل الصحافي المعروفة في مجالنا… وما أجملها.