ديمقراطية المطاردة
سمير عطا الله
منذ اليوم الأول لفوز الرئيس دونالد ترمب لم تهدأ أميركا وصحفها وسياسيوها لحظة واحدة. والذين يتابعون الشؤون الأميركية، من بعيد أو قريب، يذكرون أن هذه ليست حالة استثنائية، وإن كانت الأكثرَ حدة. فالديمقراطية الأميركية، أو ممارستها، لا تكف عن المحاسبة والمطاردة اليومية، وخصوصاً لشخص الرئيس والبيت الأبيض.
في العقود الماضية طاردت أميركا ثلاثة من رؤسائها على الأقل. والأول بينهم ريتشارد نيكسون، لا تزال تلاحقه بعد سنوات طويلة من الوفاة، بتهمة الكذب والخداع. وكان قد أُرغم على الاستقالة تحاشياً للمحاكمة والإدانة بتهمة التزوير. ولوحق بيل كلينتون، أحد أنجح الرؤساء اقتصادياً، بسبب علاقة مع فتاة تدعى مونيكا لوينسكي «استضافها» في أحد أروقة البيت الأبيض، ثم أنكر العلاقة معها. ونجا جيمي كارتر من الملاحقة الشخصية، لكن الصحافة والإعلام والسياسيين طاردوا شقيقه مزارع الفستق «بيلي»، بتهمة قبض الأموال من ليبيا. ولاحقت رونالد ريغان الفضيحة التي سميت «إيران – غيت».
أشهر مرحلة ملاحقات ومطاردات كانت تلك التي عرفت بـ«الماكارثية» عندما لاحقت اللجنة التي يرأسها السيناتور جو ماكارثي جميع المشتبهين بالانتماء إلى الحزب الشيوعي، أو بالتعاون مع الشيوعيين. فقد دخلت الماكارثية كالأشباح إلى جميع البيوت والمؤسسات وهوليوود والإدارة والشركات والبنوك.
ولا تزال إلى اليوم هاجساً يُضرب به المَثل. غير أن كلَّ تلك المراحل لا تُقارن بما يحدث للرئيس ترمب. وفيما قادت الحملة على نيكسون صحيفة واحدة هي «الواشنطن بوست»، تشترك في الحملة على ترمب جميع صحف أميركا، كبيرة وصغيرة. وكذلك محطات التلفزيون باستثناء شبكة «فوكس». يضاف إليهم سربٌ من السياسيين وأعضاء المجلسين في الكونغرس. وفيما كان يعقد قمته في فيتنام مع الزعيم الكوري الشمالي، اشتعلت واشنطن بالتهم الكبرى؛ مما أفشل مؤتمره وجعله يقطع اللقاء عائداً إلى واشنطن، في ثورة من الغضب والخيبة.
هكذا حدث مع نيكسون عندما كان في موسكو يحاولُ التخفيف من وطأة ووترغيت بتحقيق شيءٍ من النجاح السياسي.
هل هذه الحملات، على صحتها أو خطئها، ذروة الحياة الديمقراطية، أم هي إعاقة لأداء الحزب الحاكم والإدارة ورئيسها الأول؟ إن دولة مثل الولايات المتحدة تعيشُ معلقة في سياساتها وقراراتها، بسبب النزاع الحزبي وشخصية الرئيس. ولا يخفى أن هذه البلبلة تنعكس على الوضع العالمي برمته لأن واشنطن ليست مجرد عاصمة جانبية. وخلافاتُ الداخل عندها تتحول فوراً إلى صراعاتٍ في الخارج. فالتدخل الروسي المزعوم في انتخابات ترمب، ليس مسألة داخلية على الإطلاق. والصراع الجمهوري الديمقراطي هو أيضاً غيرُ داخلي. وقد زاد على كل هذه البلبلة الآن اقتراب الحملة الرئاسية المقبلة وسيل الترشيحات والإعلانات والملصقات.