دور أفريقيا في ليبيا
ترجمة خاصة عن “موقع السلام الأفريقي”
في قمته التاسعة والعشرين بأديس أبابا الشهر الماضي، قرر الاتحاد الأفريقي تسريع جهوده في المساعدة على التفاوض لعقد صفقة سلام في ليبيا. جاء هذا في الوقت الذي تم فيه تهميش الاتحاد الأفريقي من قبل فاعلين آخرين دوليين مثل فرنسا. وعلى الاتحاد الأفريقي، كي يطبق قراره بجمع كل لاعبي الأدوار الليبيين في حوار وطني، التسريع في تكوين فرق دعم من المحللين والفنيين، وأيضا إنشاء صناديق مالية للتكيف
مع صعوبة التوسط من أجل عقد سلام في الوضع السياسي الليبي المعقد.
توسطت فرنسا الشهر الماضي في عقد اتفاق وقف إطلاق نار بين رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج، وقائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر، وتم توقيع هذا الاتفاق في 25 يوليو 2017. صفقة باريس تلت جهودا من نفس النوع من قبل
إيطاليا ومصر لتعزيز الاتفاق السياسي الليبي الفاشل الذي توسطت فيه الأمم المتحدة في ديسمبر 2015.
في نفس الوقت، يظل على الاتحاد الأفريقي الإيفاء بالقرار الذي اتخذه في يوليو 2016 بشأن مبادرة عقد حوار وطني للمصالحة في ليبيا
خلال صراع 2011 والإطاحة بمعمر القذافي، بدا أن الاتحاد الأفريقي قد هُمش في جهود الوساطة. في حين أن عوز التنسيق والنفوذ المحدود على أرض الواقع أثر على مقدرة الاتحاد الأفريقي في قيادته لعملية سلام في ليبيا، فإن موقفه الحيادي في الحرب الدائرة الآن يؤهله لأن يكون وسيطا فعالا في هذه الأزمة.
فقر سجل المصالحة الشاملة في ليبيا
في باريس اتفق السراج وحفتر على مراعاة وقف إطلاق النار وعقد انتخابات في أقرب وقت ممكن. تعد هذه الصفقة إنجازا للرئيس الفرنسي المنتخب حديثا إيمانويل ماكرون الذي تعهد في حملته الانتخابية بجعل ليبيا في أولويات اهتمامه، فليبيا يسودها السلام تكون مفتاحا للتعامل مع الهجرة وتهديدات الإرهاب القادمة من المنطقة.
وعلى أية حال فإن الصراعات السياسية المريرة في البلد ستكون اختبارا لقابلية هذه الصفقة للحياة. وبينما من المتوقع أن تكون صفقة السلام هذه جزءا من عملية سلام أوسع يقودها غسان سلامة الممثل الأممي الخاص ورئيس بعثة هيئة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، فإن الصفقة لم تستشر أو تضم فاعلين محليين آخرين أقوياء بإمكانهم إنجاح الصفقة أو إفشالها.
فحكومة خليفة الغويل المعلنة من جانب واحد في طرابلس، وبرلمان طبرق وقادة آخرون أساسيون متحاربون لم يكونوا جزءا من الصفقة. هذا النقد يحوز مصداقية أيضا بالنسبة إلى جهود الوساطة التي أدت إلى توقيع الاتفاق السياسي في ديسمبر 2015.
معظم الليبيين ذوي المصلحة يوافقون على أن الاتفاق السياسي الذي ساعد عليه ممثل الأمم المتحدة الخاص في ليبيا مارتن كوبلر تم بتسرع، الأمر الذي أعاق استدامته. ولقد اتضح هذا خلال المشاورات الموسعة بخصوص ليبيا التي قامت بها لجنة عليا من الاتحاد الأفريقي برئاسة دنس ساسو نغويسو رئيس جمهورية الكونغو. وفي ملخص للنقاش ورد في تقرير بي إس سي (PSC) أدان المعنيون الليبيون “التسرع الذي أدار به السيد مارتن كوبلر عملية التفاوض وتوقيع الاتفاق السياسي، في تجاهل للأجل النهائي المطلوب لجعل هذا النص أكثر شمولية”.
غياب شيوخ القبائل والقادة الدينيين عن المفاوضات الرسمية
عملية السلام في ليبيا تذكر بالوضع في الصومال بداية التسعينيات حين تم استبعاد العديد من الفاعلين المحليين من مثل زعماء الجماعات المحلية والقادة الدينيين من محادثات السلام.
كان تركيز الفاعلين الدوليين الأساسي في ليبيا على الصراع على القيادة السياسية. ومع ذلك فإن العملية في مجملها تهمش شيوخ القبائل الذين يحكمون، بطريقة ما، حوالي 70% من ليبيا. بعض شيوخ القبائل هولاء والقادة الدينيين انضموا إلى “الحركة الوطنية من أجل ليبيا” للدفع بالمصالحة وتسهيل تثبيت وقف إطلاق النار بين المجموعات شبه العسكرية.
في أبريل من هذه السنة وقع حوالي ستين شخصا من شيوخ القبائل من جنوب ليبيا اتفاقا في روما لوقف النشاطات العدائية ومكافحة الهجرة غير الشرعية والمهربين. هؤلاء القادة المحليون، وكذلك المجتمع المدني، يمكنهم لعب دور مهم في مجمل عملية سلام سياسي في ليبيا.
ما هو مؤكد لدى الليبيين ذوي المصلحة هو الإجماع على أن الاتفاق السياسي في 2015 محتاج إلى مراجعة أساسية لتوسيع مجال الفاعلين الليبيين.
هل يمكن للاتحاد الأفريقي قيادة عملية السلام؟
في القمة التاسعة والعشرين أعادت جمعية الاتحاد الأفريقي التأكيد على نيتها في الدعوة إلى حوار مصالحة وطني في أديس أبابا، في موعد يحدد لاحقا. ومنذ مؤتمر يوليو 2016 في كيغالي أعرب الاتحاد الأفريقي عن اهتمامه بإطلاق مثل هذا الحوار، إلا أنه لم يكن بإمكانه فعل ذلك. في هذه الأثناء جرى عدد من المحادثات الأخرى بما في ذلك الوساطة الأخيرة التي قادتها إيطاليا وفرنسا.
الآن تطرح تساؤلات حول مقدرة الاتحاد الأفريقي ونفوذه السياسي للتدخل في ليبيا.
أولا، بعض الليبيين المعنيين، بمن فيهم السراج، يأسف على أن مبادرات الاتحاد الأفريقي السابقة بخصوص ليبيا كانت مشوشة. وجهود اللجنة العليا، والممثل السامي من أجل ليبيا، الرئيس التنزاني السابق جاكايا ككويتي والرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي الرئيس الغيني آلفا كوندي اُنتقدوا بسبب عدم التنسيق فيما بينهم وعدم قدرتهم على إطلاق أو عقد حوار وطني. في القمة التاسعة والعشرين اعترف الاتحاد الأفريقي بهذا التحدي وقال أنه سيضع آليات تنسيق لمعالجة الأمر.
ثانيا، حتى إذا ما تناغمت نشاطات الاتحاد الأفريقي، فإنه من المشكوك فيه أن تستطيع هذه المؤسسة القارية التأثير على الجماعات الليبية المتحاربة لكونها ليست لاعبا بارزا لا على الجانب السياسي ولا على الجانب العسكري في ليبيا. وعلى الرغم من أن عدم تورط الاتحاد الأفريقي في الحرب الأهلية الجارية في ليبيا يحسب لصالحه، فإن الخبرة تظهر أن الفاعلين الذين نجحوا في جلب المعنيين الليبيين إلى طاولة المفاوضات هم أولئك الذين يدعمون هذا الطرف أو ذاك في الانقسام الليبي. وهذا يشمل الأمم المتحدة، السلطة القانونية العليا ذات القدرة المعتبرة على التأثير في الوضع الليبي.
حقا أن العديد من الفاعلين الليبيين مستعدون للتشاور مع الاتحاد الأفريقي، وهذا قد يساعد على شرعنة مصالحهم السياسية ويخرجها على الملأ في المجال العام، إلا أنهم أيضا مدركون لمحدودية تأثير هذه المؤسسة القارية ميدانيا، خصوصا في ما يتعلق بتقديم الضروري من الجزر والعصي لحث الفاعلين على الفعل.
فرص توسط الاتحاد الأفريقي
رغم هذه المحدودية، فإنه على الاتحاد الأفريقي الرفع من مستوى تميزه كمؤسسة محايدة –وهي السمعة التي مازالت تمتلكها على الرغم من أن بعض الدول الأعضاء بها (مثل مصر) قد انحازت إلى طرف في الصراع. يمكن للاتحاد الأفريقي فعل هذا باستخدام الدور القوي للفاعلين الدوليين، بما في ذلك الأمم المتحدة، لدعم جهوده في التوسط بين الفاعلين الليبيين.
ينتمي الاتحاد الأفريقي إلى رباعية مختصة بليبيا، تأسست في 18 مارس لتنسيق الجهود الدولية لتطوير العملية السياسية في ليبيا. الأعضاء الآخرون في الرباعية هم الاتحاد الأوربي، جامعة الدول العربية وهيئة الأمم المتحدة. يبدو أن الرباعية قد حلت محل مجموعة الاتصال الدولية من أجل ليبيا التي تأسست من قبل مجلس الأمن والسلم التابع للاتحاد الأفريقي في 23 سبتمبر 2014. آخر لقاء لمجلس الأمن والسلم تم في يناير 2016.
في لقاء الرباعية الثاني في 23 مايو اٌقر أعضاؤه بعقد الاتحاد الأفريقي مشاورات مهمة مع المعنيين الليبييين في وقت مبكر من هذه السنة. على الاتحاد الأفريقي أن يبني على هذه المشاورات لنيل الدعم من الرباعية في توسطه بين الفصائل الليبية المختلفة.
مشاورات الاتحاد الأفريقي منحت المؤسسة القارية موقعا أفضل لفهم الأزمة الليبية ومصالح مختلف أطراف الأزمة. على سبيل المثال، كشفت مشاورات اللجنة العليا أن السراج مستعد للتخلي عن السلطة إذا ما استدعت العملية السياسية ذلك. من جانبه، يرغب عقيلة صالح، رئيس البرلمان، في تقليص عدد أعضاء المجلس الرئاسي من تسعة إلى ثلاثة. من جانب آخر يريد المشير حفتر إحلال مجلس للدولة مكون من ثلاثة أعضاء محل المجلس الرئاسي، بحيث يضم مجلس الدولة الرئيس الحالي ورئيس مجلس نواب طبرق والقائد العام للجيش.
وسيترتب على هذا مجلس للدولة مكون من السراج وعقيلة وهو شخصيا.
في الوقت الذي قد لا تكون فيه هذه المصالح حلا للأزمة الليبية، فإنها تشكل نقاط انطلاق نحو مفاوضات تشمل جميع الأطراف.
الحاجة إلى مزيد من الجهد
في مؤتمر القمة التاسع والعشرين قرر الاتحاد الأفريقي توسيع مشاركته في الرباعية لتشمل ممثلين من اللجنة العليا والممثل السامي من أجل ليبيا، الذي هو حاليا ككويتي. وهذا ينبغي أن يضمن استجابة الاتحاد الأفريقي المنسقة في الدفع نحو دور وساطة ونحو حلول مستدامة.
ولكي يحقق طموحه في إنجاز مصالحة وطنية في ليبيا على الاتحاد الأفريقي أن يكوِّن بسرعة فرق دعم من المحللين والفنيين ومصادر مالية هائلة للتلاؤم مع وساطة مضنية في سلام معقد كهذا.
عليه أيضا التنسيق مع جهود جيران ليبيا، بمن فيهم مصر والجزائر والمغرب، الذين لعبوا حتى الآن أدوارا مهمة، ولكن يائسة، في الصراع.