دواعش .. ومثقفون ونواب
د.مصطفى عبدالهادي عبدالله
لطالما اعتمد الإرهاب وتنظيماته المختلفة على توظيف الخطاب التفتيتي الانقسامي واستغلاله أمثل استغلال، ذلك أن الإرهاب وبصفته سلوكا نفسيا وفكريا ومنهجيا مضطربا لا يمكن أن ينتعش إلا في بيئة مضطربة هشة قابلة للاختراق والطمس .
وكثيرا ما طرح تساؤل في السنوات القليلة الماضية حول أسباب تغول داعش – كنموذج لهذا التنظيمات – في مجتمع كالمجتمع اللييي الذي لطالما عرف بالاعتدال ديناً والسماكة عرفاً حتى أن العامل الاجتماعي قد لعب دورا كبيراً في التخفيف من حدة الفوضى ومنع انزلاق الأمور إلى ما هو أسوأ في كثير من المواقف .
وفي كل مرة يتم البحث عن جواب لهذا التساؤل لا نعثر عليه إلا في ثنايا المسكوت عنه أو في تلك الزاوية التي خشي الجميع ملامستها والاقتراب منها وهي أن داعش لم يكن ليصل إلى ما وصل إليه لولا انتشار خطاب الانقسام ولغة الكراهية وتعاظم الأنا وخيار الإقصاء والتهميش وشيطنة الآخر .. وهي ذات الآليات “المعرفية” التي يتغذى عليها الفكر الداعشي وعليها يعتمد في خلق كياناته .
لقد برع داعش في توظيف هذه الآليات لصالح طموحه التوسعي في كل البلدان التي اجتاحها مستغلاً حالات الاحتقان تارة وحالات سطحية وضحالة تفكير قادة الرأي العام من مثقفين وسياسيين وغيرهم تارة أخرى.
وليبيا ليست استثناء .. فمحاولات بعض المحسوبين على قيادة الرأي العام إثارة النعرات الجهوية أو القبلية أو المناطقية الضيقة في سبيل الحصول على مكاسب ترابية أو التمظهر بمظهر المدافعين عن “قضية” من خلال رؤية طوباوية ولغة داعشية ترتكز على خطاب الكراهية ودعاوى التهميش ودعوات التقسيم والتقزيم، تلك المحاولات هي صمام الأمان للإرهاب وبرميل البارود الذي يعتمد عليه والسكين التي يشحذها للتغول من جديد .
إن ما نعانيه اليوم هو مشكِل ثقافي اجتماعي وليس خلافات سياسة بامتياز ونشر صراعات الهوية هو الخطر الداهم والأشد وقعاً من الأفكار الدينية المتطرفة ، ولذلك بات من الواجب حتما فضح ذلك المشهد العبثي من نشر ثقافة التقسيم والجهوية الذي يتصدره بعض من المحسوبين على عالم النخبة السياسية والثقافية وحتى الدينية، وواقع هذا المشهد يجب أن يرسم حالة إنسانية من القلق والخشية على مستقبل ليبيا .. والأجيال القادمة .