دلالات حادث إسبانيا الإرهابي
توبين هارشو
لطالما تحسر الإسبان أن لاس رامبلاس، المنطقة الرئيسية في برشلونة التي تعد بمثابة شريان المدينة، تحولت بمرور الزمن من مساحة يتمتع فيها أبناء المدينة الكاتالونية بالسير بهدوء للاستمتاع بروعة المكان إلى ما يشبه مصيدة للسائحين تعج بالبائعين الجوالين ويوجد بها متاحف رديئة المستوى.
اليوم، سترتبط المنطقة بمقتل 13 شخصاً عندما اقتحمت شاحنة يقودها إرهابي متطرف حشداً من الناس، يوم الخميس الماضي. كما أسفر الهجوم عن إصابة أكثر عن 100 شخص. وكان هذا واحداً من بين عدة هجمات وقعت على امتداد السواحل الإسبانية على البحر المتوسط، منها تفجير وقع في منزل يشتبه بأنه جرى استغلاله كمعمل لتصنيع عبوات ناسفة. من جهته، أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن الهجمات.
ومقارنة بالهجمات الإرهابية التي عصفت بأوروبا على امتداد السنوات الثلاث الماضية ـ في باريس وبروكسل ومانشستر ـ تعتبر الأيام الثلاثة السابقة في إسبانيا الأقل دموية. إلا أنه من منظور الأمن الأوروبي ـ والتهديد الذي لا يزال قائماً من جانب جماعة إرهابية من المعتقد أنها تلفظ أنفاسها الأخيرة داخل سوريا ـ تبدو هذه الهجمات مثيرة للقلق.
العام الماضي، تعرضت أوروبا لـ47 هجوماً إرهابياً أسفرت عن مقتل 142 شخصاً وإصابة 379 آخرين. بجانب ذلك، أخفق 90 مخططاً إرهابياً آخر أو أحبطتهم الشرطة وقوات الأمن. وكانت جميعها تقريباً من تدبير عناصر متطرفة.
وفي هذا السياق، صدر تقرير عن توجهات الإرهاب على الأراضي الأوروبية وضعه أنتوني كوردسمان، المحلل الدفاعي لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن. واعتمد كوردسمان وفريق العمل المعاون له في دراستهم على أرقام صادرة عن مركز دراسة الإرهاب والاستجابة للإرهاب التابع لجامعة ماريلاند، وتوفر الدراسة التي وضعوها إطاراً بالغ الأهمية للتغييرات التي طرأت على التهديد الإرهابي بمرور الوقت، خاصة بين عامي 2011 و2016.
أما كوردسمان، فيعد واحداً من جهابذة المحللين المعنيين بالسياسات الدفاعية، وقد ألف أكثر عن 50 كتاباً موجهة إلى القارئ المتخصص والعادي. وخلال العام الماضي فقط، أصدر تقارير عديدة عن قضايا متنوعة مثل سبل تحقيق الاستقرار في العراق بعد اندحار «داعش»، والتكلفة الدولارية للحروب الأميركية الحالية، والصين كقوة صاعدة، وتطورات الحرب الأفغانية، وإعادة بناء سوريا في مرحلة ما بعد الحرب، والخيارات الصعبة في اليمن واقتصاديات الأمن الوطني في الشرق الأوسط.
يقول كوردسمان إنه لا يمكن لأي شخص ممن يتابعون البيانات بدقة على امتداد فترة من الزمن التعرف على نمط واضح للأحداث يمكن توقعه. وإذا أمعنت النظر إلى توجهات الحوادث الإرهابية ما بين 1970 و2016، ستجد النقيض تماماً: تحولات مفاجئة في الأنماط السائدة للعنف والأهداف وأساليب الهجوم والأسلحة المستخدمة من دولة لأخرى.
وتكشف المراجعة الدقيقة لبيانات الإرهاب أن الإرهابيين يبتكرون ويطورون أساليبهم لاضطرارهم إلى ذلك.
وعلينا أن نتذكر أن أياً منا لم يتوقع هجمات 11 سبتمبر (أيلول) في الولايات المتحدة. في الواقع، هذه حرب لا يمكنك الانتصار فيها من خلال التغييرات التي ستطرأ عليها.
ويوضح أنه من شأن إلحاق الهزيمة بـ«داعش» داخل العراق وسوريا القضاء على خطر وجود دويلة إرهابية، لكن هذه الهزيمة تؤدي في الوقت ذاته إلى تشتيت آلاف المقاتلين المحليين والأجانب المتمرسين، والذين يحملون بداخلهم دافعاً قوياً لمهاجمة الغرب. وعليه، فإنه من المتوقع على المدى القصير على الأقل أن يؤدي ذلك لزيادة في أعداد مثل تلك الهجمات.
في الواقع، «داعش» ليس سوى جزء من المشكلة اليوم. وتشير قاعدة بيانات «ستارت» التي تعتمد عليها وزارة الخارجية الأميركية في تقاريرها السنوية حول الدول إلى أن «داعش» كان مسؤولاً عن 4.343 حادثة بين عامي 2011 و2016 ـ منذ ظهور التنظيم حتى نهاية العام الماضي. وشكل ذلك 6.1 في المائة من إجمالي الحوادث العالمية التي وقعت خلال تلك الفترة و7.2 في المائة من إجمالي الحوادث التي وقعت في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما يعني أن هزيمة «داعش» لن تعني في حد ذاتها هزيمة الإرهاب.
علاوة على ذلك، فإن هذا لن يفعل شيئا على صعيد الحد من أسباب الإرهاب داخل دول العالم الإسلامي وأجزاء أخرى من العالم: الزيادة السكانية الهائلة، والتنمية الاقتصادية، ومعدلات البطالة المرتفعة، ومشاعر السخط إزاء الحكومات العلمانية.
في الواقع، ثمة أسباب وجيهة للغاية تدفع جميع المعنيين بمحاربة الإرهاب للاعتقاد بأن هذه المشكلة لن تنتهي قبل عقدين على الأقل.
*بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
…………………..
صحيفة الشرق الأوسط