دقائق مع نجيب محفوظ
خالد القشطيني
لا أريد أن أقول «أيام مع نجيب محفوظ»، فلم يسعفني الحظ في لقائه أكثر من جلستين موجزتين. كانت الأولى على المقهى على شاطئ نهر النيل، وأُجهض هذا اللقاء بتعطل بطارية سماعاته. فما كان يسمعني ولا أنا كنت أستطيع رفع صوتي للمستوى المطلوب.
كتب لي الباحث والمؤلف نسيم رجوان، يسألني هل نجيب محفوظ قابل لمقابلة صحافية خاصة؟ لم أعرف كيف أجيب. فذهبت لأتحقق بنفسي في مجلسه الأسبوعي في «فندق شبرد». جلست فوجدت بجانبي مراسل صحيفة «الفرانكفورتر الجماينه» لشؤون الشرق الأوسط، الدكتور ولفغانغ كوهلر. ما إن جلست حتى سألني هذا المستعرب الألماني: هل يمكن توجيه أسئلة للروائي الكبير؟ قلت: نعم بالتأكيد. قال: هل يمكن الحصول على أجوبة عن الأسئلة؟
لم أجب على الدكتور كوهلر، فقد تريثت وانتظرت. بعد دقائق قليلة، قام الأديب القصاص أحمد سعيد، الذي كان يقوم مقام مكبر صوت لنجيب محفوظ، وجلس بجانبه وراح يقرأ له مقالة من مقالاتي الأخيرة. أعاره الأديب الكبير أذنه، ثم أعارني شفتيه بابتسامة لذيذة عبرت عن استئناسه بما كان يتلوه عليه أحمد سعيد. وعندما وصل الأديب الشاب إلى كلماتي: «أنا أصفق… إذن فأنا موجود». لم يتمالك نجيب محفوظ نفسه من الضحك. ربما على مجتمعنا الضائع ومثقفيه البائسين أكثر منه على مقالتي العابثة. التفت إلى جليسي المراسل الألماني الدكتور كوهلر وهمست في أذنيه، أو – وأستغفر ربي في ذلك – في إحدى أذنيه، وأعتقد الأذن اليمنى إذا لم تخني الذاكرة. فمن الضروري في هذه الأيام ملاحظة هذه الأمور.
همست في الأذن اليمنى لهذا المراسل الأجنبي، وقلت: نعم سيستطيع أن يجيب عن أسئلتك، وهو ما كان. فمن يضحك فهو موجود!
لقد تلقيت عبر هذه الزاوية التي أكتبها شتى ردود الفعل، رسائل إعجاب وتقدير. ولكنني لم ولن أعتز بشيء منها، كما سأعتز بتلك البسمة الحلوة والبليغة التي جاد بها ذلك الكاتب الكبير، نجيب محفوظ، نحو واحدة من مقالاتي.
تروي إحدى القصص العربية أن رجلاً مرض وطال به المرض، وتماطل معه الأجل. التقوا بزوجته في الطريق، وسألوها عنه. فأجابت بتبرم وضيق وقالت: لا هو حي فيرجى ولا هو ميت فينعى. ثم صادفوا والدته فسألوها السؤال نفسه عن ابنها طريح الفراش، فقالت: إنه ونحن والله بخير ما دمنا نرى سواد عينيه أمامنا.
أريد أن أكرر مقالة تلك الأم الحنون، فأقول نحن والأمة العربية وكل معاهدنا وجامعاتنا العربية ومكتباتنا الزاهرة في خير ما دمنا نرى مؤلفات نجيب محفوظ على رفوف كتبنا، ولا ينفك شبابنا من استعارتها وقراءتها والتعليق عليها.