“دروز بلغراد”.. منفيون يعيشون داخل كل منا!
في العام 2012 صعد الكاتب اللبناني “ربيع جابر” إلى المنصة بعد فوز روايته “دروز بلغراد – حكاية حنا يعقوب” بجائزة البوكر العربية، والدموع في عينيه، ولم يعرف أحدٌ لماذا يبكي “جابر”، لكن الروائي الخجول كان يبكي من الفرحة والتأثر، وفي العام 2017 حصل على الجائزة الأدبية عن مركز القلم الدولي بأمريكا، عن فئة الترجمة، عن روايته الاعترافات التي ترجمها كريم جيمس أبو زيد.
ولكن رغم فوز “جابر” بالعديد من الجوائز، حتى أطلقت عليه وسائل الإعلام بـ”صائد الجوائز”، فإنّ “دروز بلغراد” تبقى العمل الأهم والذي أكسبه شهرة في الوسط الأدبي العربي، بعدما كانت روايته “أميركا” قد وصلت لمرحلة القائمة القصيرة في رواية البوكر عن عام 2011، التي ذهبت في النهاية للكاتب عبده خال عن روايته “ترمي بشرر”.
“دروز بلغراد”، التي مضى على إصدارها الكثير لا تزال تحقق مبيعات كبيرة حتى الآن، فقصة حنا يعقوب بائع البيض تعبر عن عذابات الظلم التي يتلقاها كل إنسان في الحياة، سواء كان ذلك ظلمًا بسبب ما نتبناه من معتقدات دينية أو فكرية أو غيرها من أشياء تميزنا وتجعلنا مختلفين عن الآخرين.
عبر أكثر من 400 صفحة، يحكي لنا “جابر” قصة حنا يعقوب المسيحي بائع البيض من بيروت الذي يوجد بالصدفة على أرصفة ميناء بيروت في فترة الحرب الأهلية في عام 1860، حيث اقتيد عدد من الدروز لنقلهم عبر السفن وشحنهم إلى بلغراد العثمانية.
كان “الدروز” أكثر من 5500 رجلاً يوزعون على بلاد البلغار عقابًا لهم على قتلهم عدداً كبيراً من المسيحيين في الحرب الأهلية، ومن بين هؤلاء كان شابٌ افتداه أبوه بدفع رشوة إلى الباشا التركي المسؤول عن تنفيذ هذا الحكم، مما دفعهم إلى أخذ حنا يعقوب الذي يبيع البيض في الميناء، بين الدروز المسجونين بالقوة؛ لإكمال العدد المطلوب أمام القنصل الفرنسي المشرف على تنفيذ العقوبة.
نداءات حنا يعقوب واستغاثاته لم تُجدِ نفعًا، عندما يقول للقنصل الفرنسي معلناً براءته أمامه: “أنا حنا يعقوب.. مسيحي من بيروت، بيتي على حائط كنيسة مار إلياس الكاثوليك”، ليتساءل المسؤول الفرنسي عمّا يقوله الرجل فترجم له المترجم ظلما: “إنه يقول إنَّه قتلَ حنا يعقوب.. المسيحي الذي من بيروت، والذي بيته على حائط كنيسة مار إلياس الكاثوليك”، فأشارَ إليهم باحتقار أن يأخذوه.
على مرّ الصفحات، يحكي لنا “جابر” قصّته الحزينة، وكيف تمَّ أخذ حنا يعقوب ظلمًا إلى المنفى وسط أناسٍ يعرفون حقيقته ويكرهونه، تاركاً زوجته وطفلته الصغيرة، 12 عاماً كاملة من العذاب، في جبال الصرب والقلاع والجبال والموت والمرض، 12 عاماً بعيدًا عن أهله، حتى يعود إليهم مع قافلة حجّ ذاهبة إلى مكة.
لا يكتفي “جابر” بقصة حنا يعقوب، لكنّه يقصّ علينا مأساة زوجته “هيلانة قسطنطين” وابنتهما “بربارة”، وكيف أثّر غياب زوجها عليها منذ خرج بسلة البيض في الصباح، ولم يعد لها طوال 12 عامًا، وكأنه يروي حكاية الظلم وكيف يمكن أن يكون له تأثير على مجتمع كامل وليس على إنسان واحد.
الأسلوب الذي اتبعه ربيع جابر يدفعك للركض وراء الصفحات والتهامها؛ لتعرف ما سينتهي له الأمر في النهاية، وكأنك تركض لتشاهد نهاية قصتك الخاصة، وهل ستكون مرضية، حيث نجح المؤلف أن يجعل مأساة بطله هي مأساتنا.
ربيع جابر روائي لبناني غزير الإنتاج، ولد في عام 1972، له العديد من الروايات مثل رحلة الغرناطي التي تم ترجمتها للألمانية بعنوان “Granadianens resa” وتقرير “ميليس”، والاعترافات، و”بيريتوس: مدينة تحت الأرض”، وأمريك، ودروز بلغراد، وطيور الهوليداي إن.