دخول غير شرعي!
عمر أبو القاسم الككلي
في فترة الصبا والشباب، على الأقل، تسيطر على المرء التقليعات والأحدوثات [الموضة] في اللباس وتسريحة الشعر، والمظهر بشكل عام، بما في ذلك طريقة الجلوس والوقوف والحديث وحركات اليدين أثناء الكلام. بحيث يدخل المرء في عملية “تعديل” و “تنقيح” لشخصيته أو “توسيع بنائها”.
مع السنوات الأخيرة من عقد ستينيات القرن الماضي وصلت إلى ليبيا تقليعة الكنزات ذات الرقبة المستديرة، لتزاحم الرقبة التقليدية التي تأخذ شكل سبعة في الأرقام العربية هندية الأصل، فصارت مطمحا للأحداث المراهقين والشباب.
كنت حدثا حينها، وكان طبيعيا أن تحدوني رغبة شديدة في الالتحاق بلابسي هذا النوع من الكنزات، لكن لم يكن وضع الفقر الذي كان يكتنف أمثالي يسمح بشراء الملابس متى ما عن لهم.
كنت أنا وقريب لي في دائرة عمري كثيرا ما نفصح لبعضنا عن رغبتنا هذه معبرين عن تذمرنا البالغ واستيائنا المر من عجزنا عن تحقيقها.
ذات يوم فوجئت به مرتديا كنزة تبدو استدارة رقبتها من تحت كنزة ذات الرقبة الشائعة، وكانت هذه الطريقة دارجة. استغربت الأمر وظللت أسأله متى تحصل على النقود ومتى اشتراها إلخ. ظل يتبجح عليَّ فترة، ثم كشف لي عن السر!.
كان يرتدي كنزة ذات رقبه شائعة مقلوبة، ويرتدي فوقها كنزة مماثلة بالطريقة المعتادة، فيبدو وكأنه يرتدي كنزة ذات رقبة مستديرة شبه خفية تحت الكنزة الظاهرة!.
أعجبت بالفكرة العبقرية وتبنيتها.
كان وضع الكنزة المقلوبة التحتية غير مريح للجسم، لكن الأمر يهون أمام ولوج عالم “الموضة”.
كنت آنئذ في المرحلة الإعدادية، فصرت أذهب بهذه الكنزة ذات الرقبة العادية المنتحلة، بتواطؤ من شقيقة لها، شخصيةً كنزة ذات رقبة مستديرة، إلى المدرسة.
ذات مرة كنا في نهايات السنة الدراسية، حيث لا يداوم معظم المدرسين ولا يأتي غالبية التلاميذ، ما يعني أننا كنا نتحرك في الفصل على هوانا ونلعب ونمرح، فإذا بزميل يقترب مني ويمد يده، في حركة مفاجئة، فاتحا رقبة الكنزة الخارجية قليلا قائلا:
– لابسها بالمقلوب!.
امتلأت أعماقي بإحراج شديد، رغم أنه لم يفضحني ويشهر بي، وخرجت، فورا، عائدا إلى البيت، كي أتخلى عن تلك الحيلة العبقرية المتمثلة في دخول عالم “الموضة” بطريقة غير شرعية.