داعش ليست إلى زوال ..إنها تتحول
جوشوا كيتنغ*
ترجمة خاصة
يقول المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره بريطانيا، أن لديه “معلومات مؤكدة” تفيد بمقتل قائد داعش أبو بكر البغدادي. وكانت وزارة الدفاع الروسية قالت الشهر الماضي أن البغدادي قد يكون قتل في ضربة جوية روسية أثناء لقاء لقادة داعش في سوريا شهر مايو الماضي. وليس واضحا من تقرير المرصد ما إذا كان البغدادي قد قتل في تلك الضربة الجوية أو في غيرها. لم يصدر عن البغدادي تصريح علني بعد الشريط الصوتي في نوفمبر الماضي الذي حرض فيه أتباعه على مواصلة القتال في الموصل، وهي المعركة التي من المحتمل أنه تخلى عنها هو نفسه بعد ذلك ببضعة شهور.
لم يتأكد موت البغدادي من قبل أية حكومة من الحكومات المنخرطة في مقاتلة داعش (إلا إذا اعتبرنا تغريدة ترامب بشأن “الانتصارات الكبيرة على داعش!”) ولا من التنظيم نفسه.
ومن الجدير بالذكر أنه سبق أن راجت شائعات بموت البغدادي قبل ذلك، ليعلن عن نفسه بعدها، المرصد عموما ذو مصداقية، وهذا التقرير يبدو معززا بالوقائع أكثر من سابقيه، إلا أنه قد يكون من الحكمة معاملة الخبر على أنه غير مؤكد.
بيد أنه إذا تأكد موت البغدادي هذا الأسبوع، فيكون قد جاء في توقيت ملائم تماما، بحدوثه بعيد إعلان الحكومة العراقية الانتصار على داعش في الموصل، ورغم أن ذلك الإعلان جاء قبل وقته بقليل – فمقاتلو داعش مازالوا صامدين في بعض المواقع- إلا أن استعادة ثالث أكبر مدينة عراقية يعد نقطة انعطاف كبيرة، إذ من مسجد النوري الكبير، الذي آل الآن إلى خرائب، أعلن البغدادي دولة “الخلافة” الجديدة في 2014 وتنصيبه نفسه خليفة، وعندما اجتاح مقاتلو داعش الحدود السورية – العراقية تلك السنة، كان ذلك إشارة إلى العالم بأن هذا ليس مجرد فرع من القاعدة أو “فريق رياضي لكلية أو مدرسة ثانوية” مثلما عبر الرئيس أوباما نفسه. لكن التنظيم مثّل نموذجا لدولة إبادة تسيطر على أراض واسعة في كل من العراق وسوريا، مشكلة تهديدا لحدود المنطقة القائمة منذ حوالي قرن.
طبقا لإحدى الروايات، حلم البغدادي ببناء دولة “يمكنها جذب آلاف، وحتى ملايين، من ذوي الفكر الجهادي” وأخبر أتباعه بأنه “إذا ما قيض لهذه الدولة “الإسلامية” اجتياز مرحلتها الأولى، فإنها سوف تدوم إلى الأبد.”.
دامت “الدولة” زمنا طويلا إلى حد ما في وجه الاعتراضات التي أتت تقريبا من دول العالم جميعها، ومعركة الموصل وحدها استمرت وقتا أطول من معركة ستالينغراد. إلا أنه مع خسارتها لآخر معاقلها في العراق واقتراب القوات العربية والكردية من الرقة، عاصمة الأمر الواقع لداعش، يبدو أن مشروع البغدادي يمر بلحظاته الأخيرة.
ومع ذلك، سيكون من الخطأ افتراض أن التنظيم قد شُلَّ، مثلما افترض البعض عند مقتل أبو مصعب الزرقاوي سنة 2006 مؤسس تنظيم القاعدة، سلف داعش، في العراق والتنظيمات الأخرى المتبنية لإقامة نموذج دولة داعش.
الآن، من المرجح أن تعود داعش إلى العمل السري لتقوم بأعمال مشابهة لأعمال ما نصنفه منظمات إرهابية. ثمة أيضا صلة بين فقدان داعش للأرض وحماسها للتخطيط والتحريض على هجمات في المنطقة وعبر البحار. ومن منظور غربي، فإنه من الممكن أيضا أن يشكل التنظيم تهديدا أكثر خطرا على أهداف في الولايات المتحدة وأوروبا أكثر مما كان عليه حين كان تركيزه الأولي على الموصل والرقة وبقية الأراضي التي سيطر عليها.
أخذا في الاعتبار مدى الانقسامات المذهبية الذي أصبحت عليها السياسة في المجتمع العراقي، والدور البارز الذي لعبته المليشيات الشيعية المدعومة من إيران في المعارك الأخيرة، يبدو من المرجح أن داعش أو جماعة أخرى لها نفس الأهداف ستحول الامتعاض السني إلى عنف.
أما الوضع في سوريا فهو أكثر اهتزازا، إلا أنه إذا توصلت الولايات المتحدة وروسيا إلى إبرام صفقة تقضي بالإبقاء على بشار الأسد في السلطة -وهو ما يبدو مرجحا- فسيمثل هذا حافزا كبيرا لتجنيد الجهاديين هناك. وبدلا من نهاية هذا التوجه فإن انحسار داعش الحالي هو على الأرجح إيذان بالتحول إلى مرحلة جديدة بالنسبة إلى التنظيم سبق أن وجد في عدة تناسخات وتسميات مختلفة وقادة متعددين على مدى العشرين سنة الماضية.
وبالنسبة إلى التأثير الناتج عن موت البغدادي، فإنه أقل وضوحا، فرغم كل الانتباه العالمي المنصب على داعش منذ 2014، لم يكن البغدادي اسما كثير التكرار على غرار بن لادن أيام عز القاعدة، ولم يقم إلا بإذاعة رسائل صوتية في مرات نادرة ومتقطعة منذ إعلان الخلافة سنة 2014. على الأغلب لا يمتلك البغدادي خلفية عسكرية وكان دوره ضئيلا في تخطيط العمليات، والمعلومات حول ما إذا كان مقتل زعماء الجماعات الإرهابية يزعزع عمليا وبشكل حاد وضعها التنظيمي هو في أفضل الأحوال مشوش. ومن جانب آخر، ليس لدينا خيار سوى أن نمنحه بعض المصداقية، فبدون أن يكون لديه تقريبا أية مكانة سياسية سابقة نجح في إزاحة القاعدة عن بؤرة الاهتمام العالمي من حيث هي حركة جهادية. كما أنه ألهم أتباعا حول العالم القيام بالعديد من الهجمات المهلكة تحت اسم داعش. والأكثر إثارة للاهتمام، بناؤه دولة موازية عادلت مساحتها في إحدى مراحلها مساحة الأردن تقريبا وصمدت لمدة ثلاث سنوات ضد تحالف من 72 دولة تقوده أمريكا، من الصعب التصور أن يملأ محله أحد بسهولة.