داعش ليبيا : اغتنام الفوضى،الانشقاق،عدم الانتباه، وانعدام القدرة للأطراف
قوبلت مذبحة باريس في 13 نوفمبر بنبرة خطابية وفرد العضلات من قبل قادة العالم. وتعهد باراك أوباما مع فرانسوا أولاند بالقضاء على تنظيم الدولة (داعش) وكثفت كل من فرنسا وروسيا قصفهما الجوي على التنظيم. تتركز الحرب الآن على العراق وسوريا حيث يسيطر داعش على مساحات واسعة من الأرض، لكن القضاء على هذا الجيب المنيع قد لا يكون سوى البداية، فالتنظيم له أنصار حول العالم من الجزائر حتى الفليبين.
الكثير من فروع التنظيم الرسمية ليس لها ارتباطا وثيقا بالقيادة المركزية، وأغلبها تجد صعوبة في الاحتفاظ بالمناطق، لكن بعضها يتمتع بالقوة. الحرب الأهلية في اليمن التي لطالما كانت مرتعا لتنظيم القاعدة، سمحت لفصيل من داعش بالبروز بين مكونات البلاد غير المتماسكة وأن تشن هجمات على الحكومة، والأهداف العسكرية والدينية. فرع آخر للتنظيم في شبه جزيرة سيناء ذات الطبيعة الوعرة أقام مشكلات لنظام عبد الفتاح السيسي وادعى المسؤولية عن تفجير طائرة الركاب السورية في 31 أكتوبر وقتل 224 شخصا على متنها.
لكن الأكثر مدعاة للقلق هو ما يحدث في مناطق ليبيا الثلاث حيث يُقدر أن لدي داعش نحو 3000 مقاتل. وقد عزز التنظيم مواقعه هناك بسبب الفوضى التي خلفتها الحرب الأهلية بين الجهات المختلفة، وميليشياتها في شرق البلاد وغربها. لا وجود لبنية الدولة للوقوف في وجه صعود داعش، وهناك وفرة في السلاح من البندقية إلى الصواريخ، بينما حدود البلاد منتهكة. "هذه أفضل ظروف تعمل فيها جماعة إرهابية." كتب وولفغانغ بوستزيا، الملحق العسكري الاسترالي السابق في ليبيا.
كما في سوريا فإن هزيمة داعش في ليبيا لا تشكل أسبقية لأحد، وكلا الجانبين في الحرب الأهلية يركزان على الهجوم على بعضهما البعض. ويقول فريدرك ويهيري من مؤسسة كارنجي، إن التقدم الذي تحققه هذه المجموعة الجهادية اعتمد على اغتنام الفرص. حيث استغلت حالة الفوضى، والانشقاق، وعدم الانتباه، وانعدام القدرة للأطراف المتقاتلة. وتماما كما فعلت في سوريا، حاول داعش سرقة أفراد، واجتذاب المجندين إلى صفوفه عن طريق المزايدة في الفعل بالنسبة للإسلام الأصولي. لكن هذا لم ينجح دائما، فبعد بسط التنظيم سيطرته على مدينة درنة، وطبقوا فيها شرائعهم المتوحشة، ووجه بردة فعل قوية وانتهى الأمر بطرده من المدينة عن طريق تحالف يشمل جهاديين.
مع ذلك فقد عزز التنظيم سيطرته على مناطق في وسط البلاد، وتشمل مدينة سرت وجزء كبير من الشريط الساحلي شرقها، حسب تقارير من الأمم المتحدة. هناك مقاتلون من التنظيم يحاربون للحصول على موطأ قدم في بنغازي، المدينة المقسمة بين الجيش في الشرق وميليشيات وجماعات متطرفة. وقد صرح الذين يقاتلون التنظيم، بمشاهدتهم لموجات من الأجانب ضمن التنظيم، وكثيرون منهم أتوا من دول الجوار مثل تونس والجزائر ومصر. وفي الوقت الذي يزداد الضغط فيه على داعش في العراق وسوريا، يبدو أن بعض المجندين صدرت لهم الأوامر بالتوجه إلى ليبيا، التي تحولت إلى مركز تجمع للجهاديين.
تقدم داعش في ليبيا يزعج أوروبا كثيرا، وهي التي تقع على مسافة 400 ك.م عبر المتوسط. "في ليبيا هناك خليط مناسب تماما على وشك الانفجار، وفي حال حدوث ذلك، سينفجر على بوابات أوروبا." تقول فيديريكا موغيريني، مسؤولة الشؤون الخارجية الأوروبية في وقت مبكر من هذا العام. وقد رفع وجود الإرهابيين على الساحل من حدة القلق باحتمال اختلاط الإرهابيين مع المهاجرين في القوارب المتجهة إلى أوروبا.
لكن محللين يقولون إن هذه المخاوف مبالغ فيها، على الأقل لأن داعش لا يسيطر على مكان الركوب الرئيس. لكن الجماعة تشكل تهديدا أكبر للدول المجاورة، التي تخاف من الميليشيات الإسلامية، سواء المحلية منها أو الغريبة ستجد لها ملاذا، وملجأ ومكانا للتدريب في ليبيا، علما بأن الجهاديين الذين قاموا بهجومين دمويين هذا العام في تونس، قيل إنهم تدبوا في معسكرات ليبية. وفي هذا الشهر قالت السلطات التونسية إنها أحبطت هجوما كبيرا تم التخطيط له في ليبيا وسوريا.
في هذه الأثناء يقول مسؤولون غربيين إنهم يقومون بأعمال نشطة ضد داعش، وفي 13 نوفمبر نفذ قصف جوي يعتقد أنه قتل قائد المجموعة "أبو نبيل الأنصاري" وهو عراقي يعتقد أن له صلة مباشرة بقيادة التنظيم في سوريا.والهجوم الذي نفذ قبل مجزرة باريس هو الأول الذي تضرب فيه أميركا قواعد للتنظيم خارج العراق وسوريا. وفي هجوم آخر في وقت مبكر من هذا العام، نفذت أميركا هجوما ضد القاعدة يُعتقد أنه قتل مختار بالمختار، أحد قادة التنظيم.
خلق داعش أعداء كثيرين له في ليبيا، وهو ما قد يقضي عليه، وتوسعه جعله في مواجهة قبائل وميليشيات قد تكون مستعدة للوقوف ضده، ومٌنع كذلك من الاستفادة من موارد الطاقة الضخمة. أغلب الليبيين من السنة، وبالتالي لا يمكن أن يلعب التنظيم على الوتر الطائفي كما فعل في أماكن أخرى، وضربة أخرى لأسلوبه الممارس في العراق وسوريا قد يفقده الكثير من الدعم عالميا. لكن طالما تكتنف الفوضى ليبيا، سيجد جهاديو داعش فرصتهم للتحمل والبقاء.