داعش.. عدم قبول الدعوة للعب
غيلبرت رامزي، اوبن ديموكراسي
النتيجة المثلى بالنسة لهم هو أن يتركوا لتعزيز قواهم. ثاني أمثل نتيجة هي مواجهة ملحمية كاملة مع القوات الأرضية للغرب الكافر.
حول مجزرة فرنسا، تكهنت بأن الهجمات سيتبين أنها منظمة مركزيا من قبل داعش، عوضا عن أن تكون نظمت من قبل محليين يعملون تحت اسمهم، أو عوضا عن القاعدة.
لم يكن رأيا غريبا أو متطرفا، ولكن في النهاية تبين أنه رأي دقيق.
فماذا الآن؟ من المجازفة دائما، أن يزداد التحليل والقراءة في أي هجوم إرهابي واحد. تفجيرات قطار مدريد على سبيل المثال، قد فسرت طوال هذه الفترة كذروة مباشرة لدراسة الجهاد الاستراتيجي، التي نشرت على الويب بعنوان "العراق الجهادية، الآمال والمخاطر"، والتي ألحت بأن اسبانيا هي الحلقة الأضعف في تحالف "الصليبيين"، وأن الإطاحة بها قد يصنع تأثير دومينو يضعف التحالف الأمريكي في العراق بشدة.
لقد كان مرتبا بشكل زائد على أية حال. فقد استند إلى المصادفة الكبيرة بأن حزب جوزي ماريا أزنار كبير الشعبية، قد خسر في الانتخابات المقبلة، وافترض أن هذه كانت خطة المهاجمين منذ البداية.
في الواقع، كانت الخسارة الانتخابية أكثر تعلقا باكتشاف حقيقة كذب أزنار حول هوية المهاجمين، مما هي متعلقة بالهجوم نفسه، وتبين على أية حال، أن المؤامرة خلف تفجيرات قطار مدريد لها أصول أعمق وأكثر تعقيدا.
لقد نسوا أيضا التاريخ الأطول للعنف الجهادي في اسبانيا، كتفجيرات إل ديسكانسو في 1985.
هناك درس أعمق عن الإرهاب في هذا. الهجمات الإرهابية غير متوقعة من حيث تأثيراتها، وفي الواقع هذه هي طبيعتها. حيث يحصل العنف بهدف تحقيق نتيجة واضحة ومباشرة، نميل إلى أن نشير له كشيء آخر. أولئك الذين لا يشاركون جدول أعمال أي مجموعة إرهابية، يحومون دائما وبلا شك، حول التفسيرات الاستراتيجية والتكتيكية، وفي العادة يفعل الإرهابيون ذلك أيضا، ولكن المنطقية الظاهرة للأحداث الاستراتيجية في العادة، تكون مضللة لكل ذلك.
هل هاجمت داعش فرنسا بهدف ردعها؟ أم بهدف استفزازها؟ مهما كان الهدف، فسيبدو واضحا إذا نظرنا إليه في المستقبل بلا شك. ولكن، منذ الآن، يشير الرئيس هولاند إلى الهجمات على أنها "عملية حرب"، ولكن هل كانت كذلك حين كانت الخطة توضع وترتب معا؟ المبالغة في تقدير الدوافع المنطقية لاستراتيجية الإرهاب، تكون في الغالب، على ما أظن، متعلقة بالفشل في التقدير الحقيقي للجدية التي يأخذ بها الإرهابيون أخلاقية أفعالهم، والتي يشار إليها في العادة باستعمال الكلمة التي لا لون لها، العقائدية.
الموضوع بسيط من وجهة نظر داعش، هي تقاتل من أجل المسلمين، ضد الوحوش المفترسة الذين سيفعلون كل ما في طاقتهم، لإبادة كل ما هو عزيز عليهم. وفي ما يتعلق في ذلك، فمن الجدير أن نذكر نقطة أن فرنسا، مع أنها ليست دولة بارزة تحديدا في البلاغات الرسمية لداعش إلى اليوم، فهي مكان يحتفظ له الجهاديون بقدر مميز من الكراهية.
في 2009، نشرت مجلة "المعجبين" الجهادية الرائدة "ذكريات الجهاد"، مقالا يجادل بقضية اعتبار أوروبا، وفرنسا تحديدا، أسوأ من أمريكا، واستحقاقها لأسبقية مميزة على هذا الاعتبار. حين قال جورج بوش بعد 11/9 أن القاعدة تكره أمريكا لقيمها، لم يعكس حقا أولويات القاعدة الرئيسة في ذلك الوقت، ولكنها عبارة يستطيع فرانسوا هولاند أن يزعمها شرعيا هذه المرة. الجهاديون يحقدون على الجمهوريات العلمانية تماما.
هذا سبب أكبر لفرنسا بأن تتجلى إلى وعدها بالحرية والمساواة والأخوية لجميع المواطنين الفرنسيين، وتسعى لتحقيق هذا الوعد بلا تردد، ولكن من دون النفاق، أو عدم المساواة أو العنصرية الخفية.
ومع ذلك، فمن الصعب تجنب خلاصة أن الهجمات على باريس أمس، تعكس تغيرا صادقا في الاختيار الاستراتيجي لداعش. تحليل التصريحات السابقة للجماعة، لم يشجع وجهة النظر بأنه كان لديهم اهتماما متواجدا منذ فترة في "التوسع عالميا" في هجماتهم، عوضا عن تعزيز مناطقهم. وبالإضافة إلى ذلك، فإن البساطة الفعالة إلى حد الرعب في الهجمات نفسها، والضرب بالشكل الأكبر لأهداف غير محددة الوصف، لايمكن أن تكون لها أولوية للحماية، واستعمال أسلحة مألوفة ومتاحة، كلها جدالات مضادة لفكرة أن داعش كانت تحاول القيام بهذه العملية منذ مدة طويلة بدون نجاح.
لا شك بأن الهجمات الضخمة قد أحبطت، ولكن إن كان هذا هو النوع من النشاط الذي تريد داعش، في مستوى قدراتها الحالي، التركيز عليه، فإن كل الاستخبارات المتطورة والمراقبة في العالم، لن تستطيع إيقافها كليا من خلال القيام بمثل هذه العمليات.
فماذا يقول لنا هذا؟ المضمون الأكثر وضوحا، هو أن الاستراتيجية الحالية ضد داعش فعالة. حتى هذه اللحظة، تسرع المتشائمون بالإشارة إلى أن الغارات الجوية لا تبدو بأنها أحبطت الديناميكية العدوانية لداعش، أو قدرتها على السيطرة على الأقاليم، في حين أن التقدمات البطيئة والمؤلمة ضد الجماعة ، كما في تكريت، يعوض عنها بسرعة في العادة عبر تقدمات عكسية في مكان آخر. ولكن كما رصد المحلل ويل مكانتس في مقابلة للبي بي سي أمس، ربما قد بدأ هذا في التغير.
مقتل محمد إموازي، الذي كانت وحشيته في القتل، مع أنها مقززة للنفس، لا تبدو بأنها تشكل خطرا استراتيجيا مباشرا على المملكة المتحدة التي استدعت رغم الدفاع عن النفس، إلا أنه يدل على أن المرجح أن لا أحد من داعش، مهما كان مهماً وذا منصب يستطيع أن يتوقع الحركة بأمان بعد الآن.
الاستحواذ مرة أخرى على سنجار من القوات الكردية، كان رافعا للمعنويات، ولكن أكثر من ذلك، هو مؤشر في الصورة الكبرى لحقيقة أن داعش، مهما تحاول استرجاع قوة دفعها، فهي الآن عالقة بالتحديد في النوع المنهك من الحرب الذي لا تستطيع العاطفة المتعصبة والإبداع في الجرأة الفوز بها.
بالنسبة لداعش، فإن الخسارة لتحالف من الميليشيات المحلية مع الدعم الجوي هو النتيجة الأقل تفضيلا. النتيجة المثلى هي أن يتركوا لتعزيز قواهم. ثاني أمثل نتيجة، هي مواجهة ملحمية كاملة مع القوات الأرضية للغرب الكافر.
إن كان هناك هدف استراتيجي موثوق للإرهاب، فهو ببساطة: تحريك الوضع. تغيير الأمور. قلب الطاولة ولعب لعبة مختلفة. الطريقة المثلى دائما للفوز بهذه اللعبة تحديدا، هي عدم قبول الدعوة للعب.