نشر في: 09/07/2019 - 08:53
لا يستقيم الحال في ليبيا إلا بمراجعة فاحصة وعميقة للخلل الكبير الذي تعاني منه منظومة التعليم بجميع مراحله، وإعادة هيكلته بما يتوافق واحتياجات المجتمع والإمكانيات المتوفرة التي تهيئ أفضل المخرجات لخدمته.
الشكوى من قصور الخدمات الطبية امر يعرفه القاصي والداني، وإذ كانت الظروف التي تمر بها البلد لا تساعد على تقديم خدمات نموذجية إلا ان جذور المشكلة أعمق وابعد مما نراه الآن. كانت ليبيا من افقر الدول في العالم حتى بداية الخمسينات ونشوء الكيان الليبي الجديد تحت مسمى المملكة الليبية، اكتشاف البترول والبدء في تصديره اسهم في توفر الريع الكافي لتغيير حياة الليبيين في مختلف النواحي. التعليم كان له نصيب الأسد من الاهتمام فانتشر افقيا وعموديا بالتوسع في المدارس وإنشاء الجامعة الليبية سنة ١٩٥٥، مدعمة بكفاءات من أفضل الخبرات العربية والأجنبية. حرصت الدولة على ابتعاث الحاصلين على الشهادة الثانوية الى مصر وإيطاليا واليونان وألمانيا وبريطانيا، حتى انشأت اول كلية لدراسة الطب في ليبيا سنة ٧١/٧٠م بمدينة بنغازي، وتلاها كلية الطب بمدينة طرابلس سنة٧٤/٨٣م. كلاهما حرصتا على اختيار المؤهلين لدراسة الطب بإعداد محددة تستوعبهم الإمكانيات المتاحة.
خلال الثلاثين سنة الماضية ارتفع عدد الكليات الطبية بشكل كبير، اغلبها بامكانيات محدودة جدا لا تفي بأدنى الاحتياجات لتخريج أطباء اكفأ. ارقام فلكية لا يستوعبها العقل، آلاف في الدفعة الواحدة لا يستوعبهم مدرج ولا قاعة ناهيك عن أقسام المستشفيات. بعض الكليات في مدن تخلو تماما من اختصاصيين في أقسام رئيسية في دراسة الطب.
المملكة المتحدة بعدد سكانها الذي يفوق الستين مليون فيها (٣٣) كلية، اَي ما يعادل كلية لكل مليونين من سكانها، في حين ان ليبيا بملايينها الست فيها أكثر من (١٢) كلية، اَي كلية لكل نصف مليون .. مع العلم ان بعض المدن التي افتتحت فيها كليات طب لا يتجاوز سكانها المئة الف مواطن!!
نسب المتخرجين في كل دفعة لا يتجاوز ٥٠٪ ، وإعداد كبيرة ممن انخرطوا في الدراسة ينتهي بهم المشوار في كليات اخرى او في احسن الأحوال عاطلين عن العمل او في وظائف لا علاقة لها بما درسوه.
اغلب الخبراء الليبيين في علوم الطب والتعليم الطبي (داخل البلاد) يدركون الوضع الصعب الذي تعاني منه الكليات الصغيرة، وبعضهم يرى ان اختصار العدد الى خمس او ست كليات تتوفر فيها الإمكانيات وتغطي رقعة البلاد الواسعة يعطي نتائج أفضل، لكنهم لا يجدون آذانا صاغية.
معالجة الخلل الكبير وإعادة هيكلة المنظومة التعليمية ضرورة لإنقاذ الأجيال القادمة …