خلايا متطرفة ليبية في تركيا محمية من قبل إردوغان
عبد الله بوزكِرت
ترجمة خاصة عن موقع: stockholmcf
لم يكن مفاجئا اكتشاف بصمات الانتحاري سلمان العبيدي، البريطاني من أصل ليبي البالغ من العمر 22 سنة، الذي قام بعملية مانشستر، عبر تركيا قبل تكرر ذهابه وإيابه إلى سوريا ومنها حين كُشف عن ذلك من قبل المخابرات الألمانية في رواية حصرية أوردتها الفايننشال تايمز.
الأمر الذي سيضيف أسماء جديدة إلى قائمة “الجهاديين” المتضخمة الذين كانوا في تركيا قبل عودتهم لإرهاب الجمهور الأوربي ليقوموا بعمليات قتل عشوائي من بروكسل إلى باريس، ومن ستوكهولم إلى سان بترسبرغ.
لقد كتبت كثيرا عن كيفية تقوية نظام الرئيس التركي رجب الطيب إردوغان للإسلاميين في ليبيا من خلال دلق السلاح والمال، وأيضا عن الطرق التي تمكن عبرها من تجنيد الجهاديين الليبيين للقتال في “حربه القذرة” في جارته سوريا من خلال تسهيل سفرهم. وعلى خلفية ما حدث في الهجوم الذي جرى في الحفل الموسيقي لمغنية البوب آريانا غراندي في مانشستر آرينا والذي قتل فيه 22 شخصا وجرح 64، قد نحتاج إلى إلقاء نظرة جديدة على الدور التركي في ليبيا وتحركات الجهاديين الليبيين عبر الأراضي التركية.
تسجيلات التنصت لدى المخابرات على المشتبه في انتمائهم إلى تنظيم داعش في العراق وبلاد الشام (ISIL) في تركيا تكشف عن أن المتشددين الليبيين كانوا منخرطين بحماس في تهريب المجاهدين تحت غطاء سياسي وفرته حكومة إردوغان. أحد العاملين الأساسيين المنتمين لداعش في العراق وبلاد الشام في تركيا رجل يدعى فرج هـ. حامد، علي يبلغ 32 سنة ويحمل الجنسية الليبية، كان وسيطا مع جماعات هذا التنظيم في مصراتة ثالث أكبر مدينة ليبية، وكان يعمل مع عرب آخرين من عدة بلدان عربية لنقل المقاتلين إلى سوريا ومنها مستخدما تركيا كقناة للتزود اللوجستيكي.
المخابرات تشير إلى أنه قام بعمليات في قبرص أيضا. ورغم أن فرج كان قد أوقف في تركيا في 10 يوليو 2015 بسبب الاشتباه في كونه منتميا إلى تنظيم داعش في العراق وبلاد الشام وفقا لملفات المدعي العام في اسطنبول، إلا أنه سرعان ما أطلق سراحه.
تظهر التسجيلات أن فرج عمل بشكل مباشر مع مهرب آخر ومسهل إجراءات منتم إلى تنظيم داعش في العراق وبلاد الشام يسمى محمد السيد الطوخي سالم الشيمي (يسمى أيضا عبد الحكيم مسرلي) مصري يبلغ 26 سنة ومن مواليد كولومبيا. وعلى الرغم من أن الرجلين كانا قد ضبطا من قبل السلطات وهما يتبادلان النقود وقبض عليهما، إلا أنه أفرج عنهما لاحقا بناء على صفقة سرية. على سبيل المثال، ورد في تسجيل التقط في 7 مارس 2015 الساعة 09, 12ظهرا كان الشيمي يتسوق لشراء مناظير ليلية في منطقة كاراكوي باسطنبول. وأخبره فرج أنه تم تحويل 50000 يورو إليه بغرض شراء نظارات مضادة للشمس والغبار من تلك التي تستخدمها الجيوش.
وفي تسجيل آخر التقط في 6 مارس 2015 الساعة 31, 12 ظهرا طلب الشيمي من رجل يدعى أبو داود تزويد داعش في العراق وبلاد الشام بالسلاح.
الشيمي رتب أيضا لاستخراج جوازات سفر مزورة وتأشيرات مضمونة لعملاء تنظيم داعش في العراق وبلاد الشام النائمين الذين أُرسلوا إلى أوروبا من أجل اختيار الأهداف واستكتشاف المنطقة. فمثلا، ورد في تسجيل التقط 15 أوكتوبر 2014 عند الساعة 94, 17 بعد الظهر طلب الشيمي جوازات سفر ليبية مزورة لنقل شخص بشكل غير شرعي. وكانوا يحصلون على تأشيرات تركية مضمونة من خلال رشوة السلطات التركية.
الحكومة التركية علمت بكل هذه الشبكات إلا أن تفكيكها لم يكن أبدا من أولوياتها. فقط بعد التعرض إلى ضغط مكثف من قبل دول الناتو وكذلك روسيا والصين تظاهرت حكومة إردوغان بتفكيك “الجهاديين” المتشددين، لتطلق سراحهم بعد فترة قصيرة. في ذات الوقت كانت الشرطة والاستخبارات والمحاكم منشغلة باصطياد منتقدي إردوغان الشرعيين في الحركة السياسية الكردية والجماعات العلمانية واليسارية وحركة غولن.
نتيجة لذلك تحولت تركيا اليوم إلى ملاذ آمن لكل أنواع الجماعات الراديكالية بما في ذلك القاعدة وتنظيم داعش في العراق وبلاد الشام التي تستخدم الأراضي التركية للتجنيد والتمويل والإمدادات اللوجستيكية والسلاح.
والحكومة التركية لم تقم فقط بمساعدة وتحريض هذه الجماعات في ما نظر إليه على أنه حرب إردوغان الشخصية القذرة لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، ولكن قامت أيضا بتهديد جيران وشركاء، وحتى حلفاء، آخرين بهذه الجماعات الوكيلة.
بالتوازي مع ما فعلته إيران لمدة عقود، تحول الإسلاميون الأتراك – الذين تأثروا إلى حد بعيد بالتجربة الإيرانية خلال سنوات شبابهم – إلى انتهاج العمل السري لخلق وكلائهم الخاصين من خلال الاستثمار في الجماعات الراديكالية في تركيا والخارج. ومثلما كانت إيران تنقل جوا عديد المتشددين من اتحاد المحاكم الإسلامية (ICU)، الذي يعتبر الأب الروحي لمليشيا الشباب، من الصومال للقتال لصالحها خلال الحرب بين حزب الله وإسرائيل سنة 2006 مقابل 2000 دولار شهريا تدفع لأسرهم، عرض إردوغان وبطانته مرتب 2000 دولار شهريا لأي مقاتل ليبي يلتحق بتنظيم داعش في العراق وبلاد الشام والقاعدة. المتعاقدون، بالأخص القوة البرلمانية السرية التابعة لإردوغان ( المسماة اختصارا سادات) تتحصل على 10000 دولار عمولة عن كل مقاتل يوقع هذا العقد.
هذه الصفقة أثيرت من قبل مشرع في البرلمان في فبراير 2015 ، لكن أحمد داود أوغلو، وزير الخارجية حينها، لم يُجب على هذا رغم أنه ملزم بالإجابة على الأسئلة البرلمانية خلال أسبوعين.
في الواقع تشكت الحكومة الليبية المؤقتة برئاسة عبد الله الثني المعترف بها دوليا مرات عدة للحكومة التركية بخصوص هذا الموضوع، مقدمة تقاريرها الاستخباراتية الخاصة المحتوية على أسماء أتراك متورطين في تهريب الجهاديين من ليبيا إلى تركيا.
وحين فشلت الحكومة الليبية في إحداث تغير في سلوك الحكومة التركية قررت طرد الأتراك الموجودين في ليبيا في فبراير 2015 تعبيرا عن الاحتجاج على موقف الحكومة التركية هذا. ووفقا لشخصيات من حزب المعارضة الرئيسي في تركيا في 2015، فإن حوالي 50000 جهادي تم إيواؤهم في تركيا معظمهم من ليبيا وروسيا.
منظمتان من المنظمات غير الحكومية تم استخدامهما من قبل الحكومة التركية للقيام بالتجنيد من ليبيا إلى سوريا. إحداهما إمكان دير وهي منظمة غير حكومية مقرها استانبول يعتقد أنها مرتبطة بجبهة النصرة وأحرار الشام وجيش الإسلام، وقد زار مراد أوزر، رئيس إمكان دير، ليبيا والتقى بجماعات إسلامية هناك. هذه المنظمة قدمت دعما لوجستيكيا لألوية سلطان مراد المدعومة تركياً وتقاتل ضد قوات الأسد شمال سوريا. ولدى هذه المنظمة فرع واحد يستقر في الإقليم الحدودي غازيانتب حيث تدير خطوط الإمداد اللوجستيكي إلى سوريا.
وأقامت مستشفى مرتجلا في نفس المدينة لمعالجة الجهاديين الجرحى إضافة إلى إقامتها مستشفى مرتجلا على الجانب السوري من الحدود.
طالبت روسيا الأمم المتحدة في سبتمبر 2013 بإدراج إمكان دير في قائمة لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن بالأمم المتحدة بوصفها داعما للقاعدة، إلا أن الولايات المتحدة عارضت المقترح وصوتت ضده آذربيجان. وفي رسالة رفعت إلى هيئة الأمم المتحدة في 10 فبراير 2016 ذكرت روسيا مجددا إمكان دير بوصفها داعما للإرهاب في سوريا مدعية أن الحكومة التركية استخدمت إمكان دير كواجهة لإرسال الأسلحة إلى “الجهاديين” في سوريا.وإنه لمن المثير كيف أن إمكان دير، الداعم المخلص لحكومة إردوغان، تمكنت من ضمان الإفراج عن كثير من “الجهاديين” المحتجزين في السجون التركية من خلال التأثير على الحكومة. حين استولى الجنود الأتراك ومقاتلو المعارضة على جارابلس خلال الانتفاضة السورية، كانت إمكان دير هي التي طلب منها إدارة المدينة السورية.
منظمة غير حكومية أخرى استخدمت من قبل الحكومة التركية لإرسال أسلحة إلى ليبيا وهي جماعة خيرية محل جدال هي “مؤسسة الغوث الإنساني” (IHH) المدعومة من قبل إردوغان شخصيا. الوثيقة المفرج عنها من اتصالات عبر الإيميل لصهر إردوغان بيراك البيرق، الذي هو وزير الطاقة الآن، ظهرت إلى الضوء حينما طالب مالك شركة للشحن البحري والحاويات مفلسة بتعويضات من الحكومة التركية بخصوص إعطاب سفينته حينما كانت تنقل أسلحة بين الموانيء الليبية بناء على أوامر من السلطات في أنقرة في 2011.
كشفت الرسالة عن كل التفاصيل الخاصة بشحنة الأسلحة المأذون لها من الحكومة إلى المتمردين بناء على عقد من قبل مؤسسة الغوث الإنساني. ففي رسالة مؤرخة 9 مارس 2016 استنتجت هيئة خبراء مجلس الأمن أن شحنة الأسلحة إلى ليبيا كانت قادمة بشكل أساسي من تركيا. خبراء هيئة الأمم المتحدة تعقبوا الأسلحة في ليبيا إلى الشركات التركية واكتشفوا أن الحكومة التركية حاولت عمدا تضليل التحقيق حول السفينة التركية التي كانت تحمل أسلحة موجهة إلى فصائل إسلامية ليبية. السفينة، المسماة حداد 1 المسجلة في بوليفيا، اُعترضت في سبتمبر 2015 من قبل خفر السواحل اليوناني أثناء ما كانت تحمل شحنة أسلحة مخفية من تركيا إلى ليبيا.
القوة البرلمانية السرية الخاصة بإردوغان المعرفة باسم سادات والتي يقودها الفريق الإسلامي المتقاعد عدنان تانريفاردي، الذي هو أيضا كبير المعاونين العسكريين لإردوغان، سبق له أن انخرط في وقت ما في تدريبات سرية لليبيين متشددين. هذا الرجل زار ليبيا مرارا عديدة والتقى بضباط ليبيين منشقين واستقبل على البساط الأحمر في أية زيارة لليبيا من قبل السفارة التركية في ليبيا.
بعض هؤلاء المتمردين سُفروا لاحقا من ليبيا إلى تركيا للالتحاق بجيش إردوغان السري للقتال ضد أعدائه. وقد لعب تانريفاردي دورا أساسيا في تطهير الجيش التركي من الضباط الموالين للناتو إثر ما يبدو أنهانقلاب زائف ساعد إردوغان على تعريض منتقديه ومعارضيه في الحكومة لتطهير واسع. الضباط الذين أقيلوا حل محلهم إسلاميون وقوميون جدد.