خطوط حمراء أمام الصحفي الليبي
خاص 218| خلود الفلاح
مسعود حسين التائب أستاذ الإعلام بجامعة الزاوية، وهو أيضا كاتب وصحفي مستقل، وعضو بالعديد من اللجان الاستشارية لمجلات علمية محكمة.
يرى مسعود التائب أن قانون المطبوعات رقم 76 لسنة 1972، غير قادر على تنظيم العمل الإعلامي في ظل تكنولوجيا الاتصال والإعلام المستحدثة. ووضع التشريعات التي من شأنها حماية حقوق الصحفيين، ومصادر معلوماتهم دون تضييق من أحد.
وطالب أستاذ الإعلام مسعود التائب الحكومة الجديدة بضرورة تطوير أداء وسائل الإعلام العامة، والدفع باتجاه تنظيم العمل الإعلامي بمختلف وسائله، وتوظيف الخطاب الإعلامي لخدمة عملية التحول الديمقراطي.
نص الحوار:
ـ ما هي الصعوبات التي تواجه الصحفيين الليبيين؟
– يواجه الصحفيين الليبيين الكثير من الصعوبات والتحديات والمشاكل الحقيقية التي تحول دون ممارسة أعمالهم الصحفية بالصورة الصحيحة، ويمكن تصنيف تلك الصعوبات إلى:
أولا: صعوبات أمنية: وهي تُمثل التحدي الأخطر للصحفيين الليبيين، وذلك بسبب حالات الخطف والتهديد والابتزاز التي يتعرض لها الصحفيون من قبل الجماعات المسلحة، وقد أكد على ذلك تقرير المركز الليبي لحرية الصحافة الذي رصد الكثير من تلك التعديات على الصحفيين، وقد أدى كل ذلك إلى نزوح العديد من الصحفيين من مناطقهم، وإلى هجرة بعضهم إلى الخارج، وإلى توقف البعض عن ممارسة العمل الصحفي، بعد أن صارت البيئة غير آمنة، وغير مناسبة أيضا لممارسة العمل الصحفي، وتراجعت الحريات الصحفية بشكل مزعج.
ثانيا: صعوبات مادية: وتتمثل في تدني مرتبات الصحفيين، وتأخر مكافأة الإنتاج والتعاون، وعدم توفر ضمانات مادية في حال تعرضهم للخطر بسبب طبيعة عملهم، ومن ذلك عدم وجود تأمين صحي يكفل لهم ولأسرهم الحق في تلقي العلاج، بما في ذلك العلاج بسبب ما قد يتعرضون له من مخاطر أثناء تأدية أعمالهم الصحفية، وقد أدى ذلك إلى انتقال العديد من الصحفيين إلى قنوات ووسائل خاصة تفرض عليهم أحيانا أجندات تتعارض مع قناعاتهم، في مقابل مرتبات أعلى، وظروف عمل أفضل.
ثالثا: صعوبات قانونية: وذلك بسبب غياب التشريعات الحديثة التي تضمن حقوق الصحفيين، وتوفر لهم الحماية، وتمنحهم الحق في ممارسة أعمالهم بحرية والوصول إلى مصادر المعلومات دون تضييق من أحد، ونعرف جميعا أن آخر تشريع صدر في ليبيا بخصوص الصحافة يعود إلى عام 1972م، وهو تشريع عفى عليه الزمن ويحتاج إلى تطوير بما يواكب المستجدات في طبيعة ممارسة العمل الصحفي، كما أن ذلك القانون يتضمن العديد من المواد التي تقيد حرية الصحافة، وتحد من حرية الصحفيين.
رابعا: صعوبات تنظيمية: وتتمثل في غياب الأجسام التنظيمية التي ينضوي تحتها الصحفيون، وتُشكّل درع حماية لهم، حيث لا وجود لنقابة أو اتحاد للصحفيين، يدافع عن حقوقهم، ويدفع في اتجاه تطوير المهنة وينظمها، ففي غياب نقابة للصحفيين صارت المهنة مجالا خصبا لكل المتطفلين على الصحافة، دون أية معايير منطقية وقانونية، وهو ما أفقد المهنة خصوصيتها واحترامها وأهميتها أيضا بعد أن صارت مسرحا مفتوحا للهواة وكُتاب الخواطر من كل التخصصات.
ـ لم تصدر حتى الآن قوانين تخص الصحافة والإعلام في ليبيا، فقط تم تفعيل بعض القوانين المعطلة من أيام النظام السابق مثل حرية الإصدار الصحفي، وإطلاق الإذاعات. لماذا؟
– للأسف رغم كل المحاولات التي قادها البعض وعلى رأسها مؤسسات المجتمع المدني، ورغم كل النداءات التي تكررت كثيرا عقب كل لقاء أو حوار أو مؤتمر علمي، بضرورة التعجيل بإصدار تشريع ينظم العمل الصحفي إلا أن الجهات التشريعية ظلت تتلكأ ولم تبادر إلى إطلاق أي مشروع بالخصوص، رغم قدم قانون المطبوعات الحالي، وعدم مواكبته للتطورات الحاصلة في مجال الصحافة، حيث يعود كما سبقت الإشارة إلى عام 1972م، ولعل هذا التأخير في إصدار قانون للصحافة يعود أيضا في أحد جوانبه إلى عدم وجود جسم ينضوي تحته الصحفيين ويتولى الدفاع عن حقوقهم والتي من بينها إصدار تشريع عصري وحديث للصحافة.
ـ هل الإعلام الرسمي تحرر من سلطة الدولة؟
– الإعلام الرسمي لم يتحرر من سلطة الدولة بعد بالصورة المبتغاة، فالدولة مازالت تدير الصحافة والقنوات الإذاعية التي تملكها بنفس العقلية السابقة تقريبا، والإعلام الرسمي الذي يتمثل في الإعلام العام مازال يخضع في مضمونه وتمويله وتوجهاته لما تمليه عليه السلطات، حيث مازالت أخبار المسؤولين ونشاطاتهم محط تبجيل وتفضيل هذا الإعلام، مع غياب النقد الحقيقي لممارسات وتجاوزات المسؤولين، حيث يلاحظ ندرة المواد الإعلامية التي تكشف الفساد ورموزه، مع سيادة لغة التهليل والتصفيق أيضا لتصريحات ولقاءات وزيارات كبار مسؤولي الدولة، وذلك رغم أن الفساد قد بلغ أعلى مستوياته وبشكل فاضح وعلني، إلا أن الإعلام الرسمي ظل غير قادر على ممارسة دوره في كشف ممارسات وعبث الفاسدين الذين يجلسون في قمة هرم الدولة، الدولة التي تدير بطريقتها ورغبتها وسائل إعلامها التي كنا نأمل أن تكون صوت وضمير الناس.
ـ رغم أن تاريخ صدور أول صحيفة ورقية في ليبيا يعود إلى العام 1688، وهي طرابلس الغرب، وصدور ما بين عامين 2011 ـ 2012، أكثر من (400) مطبوعة (متوقفة حاليا). إلا أن الكثير يصف أداءها بالضعيف؟
– صدور أول صحيفة في ليبيا يعود إلى سنة 1866م، ومنذ ذلك الوقت شهدت ليبيا حالات ارتفاع ونزول في مستوى الصحافة، فقد شهدت ليبيا ازدهارا صحفيا بداية من العام 1908م في أواخر العهد العثماني الثاني، بعد صدور قانون المشروطية، إلا أن وقوع ليبيا تحت الاحتلال الإيطالي سنة 1911م أدى إلى توقف كل الصحف التي كانت تصدر في البلاد، كما شهدت البلاد صدور بعض الصحف بعد سنة 1919م، وأيضا في فترة الانتداب بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أن فترة الستينيات من القرن الماضي كانت الفترة الأكثر ازدهارا وثراء وتنوعا صحفيا، حيث صدرت الكثير من الصحف الخاصة والعامة أيضا، وأتيح للتيارات السياسية المتعددة المجال للتعبير عن مواقفها، وتظهر الإحصائيات في تلك الحقبة ارتفاع نسبة توزيع الصحف بشكل لافت للنظر، إلا أن الصحافة في ليبيا تراجع مستوى أدائها بعد عام 1972م بعد الإعلان عن تأميم الصحافة، ومحاكمة العديد من الصحفيين وتوقف جل الصحف التي كانت تصدر قبل ذلك التاريخ لأسباب في معظمها سياسية، ثم شهدت الساحة الصحفية انتعاشا خجولا مع بعث المؤسسة العامة للصحافة التي أدارت المشهد الصحفي في ليبيا، حتى عام 1976م عندما تم حل المؤسسة العامة للصحافة، وقفل الصحف التي كانت تصدرها، وظلت ليبيا بلا صحافة حقيقية حتى مطلع التسعينيات، عندما أعيد إحياء المؤسسة العامة للصحافة، التي أصدرت بعد ذلك العديد من الصحف التي جاءت في أغلبها دون المستوى المأمول، وهو ما دفع قادة مشروع ليبيا الغد إلى إصدار صحف جديدة كان يراد لها أن تحل بديلا عن صحافة تلك الفترة، ومع مجيء أحداث السابع عشر من فبراير عام 2011م شهدت البلاد صدور كمّ هائل من الصحف التي سرعان ما توقفت لأسباب متعددة أهمها عدم توفر الدعم المالي، وفي الحقيقة فقد جاءت أغلب تلك الصحف في مستوى ضعيف ومتدن، سواء من حيث المضمون أو الشكل، وهو ما أفقدها اهتمام ومتابعة الجمهور لها، وبالتالي لم تتمكن تلك الصحف من خلق قاعدة جماهيرية متابعة لها، والآن وبعد مُضي عشر سنوات على أحداث فبراير شهدت الصحافة في ليبيا تراجعا كبيرا، فقد اختفت الصحافة الخاصة من المشهد لأسباب مادية وأمنية، أما الصحافة الحكومية التي تصدرها الهيئة العامة للصحافة فقد ظلت تصدر بشكل متقطع، ولم تستطع تطوير نفسها، كما لم تتمكن من استقطاب كبار الكُتاب الذين مارسوا عزوفا واضحا تجاهها، وظل توزيعها منحصرا في المدن التي تصدر فيها.
ـ الصحافة الإلكترونية وما تمتلكه من مميزات. هل يمكن اعتبارها النهاية لصحافة ورقية ليبية؟
– على الرغم من تراجع الصحافة الورقية بشكل واضح أمام المد الذي تشهده الصحافة الإلكترونية وذلك في العالم كله تقريبا، إلا أنه وفيما يتعلق بالحالة الليبية فإن الصحافة الورقية تشهد تراجعا كبيرا لأسباب أخرى، قد تكون من بينها ظهور الصحافة الالكترونية، والإعلام الجديد عموما، لكن لا يمكن رد حالة تراجع الصحافة الورقية في ليبيا فقط إلى ظهور الصحافة الالكترونية، دون الأخذ في الاعتبار الأسباب سالفة الذكر مجتمعة والتي ساهمت بدرجات متفاوتة في إفساد المشهد الصحفي الليبي عموما، ولعل ما يؤكد ذلك هو الحالة البائسة التي ظلت تعيشها الصحافة الورقية في ليبيا حتى قبل ظهور وانتشار الصحافة الإلكترونية.
ـ هل استطاعت الصحافة الإلكترونية الليبية مواكبة كل ما يحدث؟
– في الحقيقة ما تزال الصحافة الإلكترونية الليبية لم تصل إلى المستوى المنشود بعد، سواء من حيث عدد تلك الصحف أو جودة ما تقدمه من مواد صحفية، أو على مستوى مواكبتها للأحداث، ورصدها لما يدور في البلاد، ولعل ذلك يؤكد ضعف الكادر البشري الليبي عموما في المجال الصحفي، وعدم توفر بيئة صحفية مناسبة، وبالتالي أعتقد أن المشوار لايزال طويلا أمام تدشين صحافة إلكترونية ليبية في مستوى ما نتابعه من صحف مماثلة في مجتمعات أخرى.
ـ من الذي يضع الخطوط الحمر في العمل الصحفي؟
– الذي يصنع الخطوط الحمر في العمل الصحفي كثيرون، ومن ذلك حالة الانفلات الأمني في البلاد، وسطوة الميليشيات، وغياب الحريات المحمية بالقانون، كما تتدخل كذلك في هذا الأمر ظروف أخرى لها علاقة بالعادات والتقاليد والعلاقات الاجتماعية، دون أن ننسى طبعا الوضع السياسي والاقتصادي الذي يتدخل بدرجات متفاوتة في تحديد ما يجب وما لا يجب نشره في وسائل الإعلام.
ـ كصحافي وأكاديمي. ما المطلوب من الحكومة الجديدة في مجال العمل الإعلامي؟
– أعتقد أن المطلوب من الحكومة الجديدة في مجال العمل الإعلامي هو ما يلي:
أولا: تطوير أداء وسائل الإعلام العامة، وجعلها وسيلة تعبير للمجتمع بأكمله، مع توفير ممارسة إعلامية حرة دون ممارسة أية ضغوط، وعدم تسخير تلك الوسائل لخدمة أغراض تتعلق بالسلطة، بل تحويلها إلى قنوات تقدم خدمة إعلامية عامة ومحايدة ومتكاملة، وتوفر مساحة تعبير للجميع دون إقصاء.
ثانيا: ضبط حالة الانفلات الإعلامي، والعمل على جعل وسائل الإعلام الليبية تلتقي حول ميثاق شرف أخلاقي تلتزم فيه بنبذ خطاب الكراهية، وإشاعة ثقافة الحوار والتسامح والمصالحة الوطنية وقبول الآخر.
ثالثا: توفير الظروف الملائمة التي من شأنها أن تجعل القنوات الليبية العاملة في الخارج تنتقل للعمل في الداخل، والاتفاق على استراتيجية إعلامية عُليا تضع مصلحة الوطن فوق الجميع، مع توفير المناخ المناسب لممارسة إعلامية حرة ومسؤولة، تقدس وتحمي حرية التعبير من ناحية، وتحفظ هيبة وسيادة الدولة من ناحية أخرى.
رابعاً: الدفع باتجاه تنظيم العمل الإعلامي بمختلف وسائله المقروءة والمسموعة والمرئية، من خلال وضع التشريعات المناسبة، التي تضبط وتقنن الممارسة الإعلامية وتحدد معالمها وشروطها وأدواتها وسياساتها ومصادر تمويلها، بما يكفل استقلاليتها ويوفر لها مصادر تمويل لا تتدخل في تحديد توجهاتها.
خامسا: توظيف الخطاب الإعلامي لخدمة عملية التحول الديمقراطي، وتحقيق الإصلاحات المناسبة التي من شأنها سرعة إنجاز مستحقات تجاوز المرحلة الانتقالية، والدفع باتجاه العبور نحو بناء الدولة الديمقراطية التي تتيح فرص المشاركة للجميع.