خشونة الروح
عمر أبو القاسم الككلي
حياة الفرد منا مشروطة بجملة عوامل وظروف توجهها وتتحكم فيها وتحددها، وتكون قدرته على التصرف وتعديل هذه الظروف وتوجيهها من قبله صعبة للغاية، ولا يتسنى له هذا إلا إذا توفرت ظروف أخرى تساعده على ذلك. فالبلد الذي ينتمي إليه المرء، والطبقة الاجتماعية التي يولد فيها، أو الطائفة الدينية التي تؤطره، ووضع الأسرة التي أنجبته، كل هذه الشروط هي عوامل تحكم وتحديد.
أنا تحكم في مصيري ولادتي لأسرة فقيرة تجاهد أن تحيا حياة الستر، الأمر الذي أعاق طموحاتي وحد من تحقيق رغباتي، وإضافة إلى ذلك هي أسرة شديدة التزمت، ليس التزمت الناشيء عن تصور ديني، ولكن ذلك التزمت المتولد عن مفهوم العيب. ذلك التزمت الذي تكون فيه الإشارة إلى استحمام المرأة المتزوجة عيبا!.
في قصتي “أبي” أوردت واقعة يتجلى فيها هذا البعد كانت تحيرني حينها، ومازالت تثير استغرابي:
“عندما كانا، هو و أخي الأكبر، يقومان بالحراثة قريبا من مكان السكن كنت أذهب إليهما عند اقتراب موعد عودتهما فأطلب منه أن أمسك بالمحراث وهو يسير إلى جانبي أو أساعد أحدهما في فك عدة الحراثة عن الجمل استعدادا للعودة [ كانت معونة تسبب تعويقا أحيانا] فكان بعض الأحيان يسألني في همس [ لم أتبين دواعيه آنذاك]:
امك شِنِ ادِّير؟.
تستغل أمي أحيانا خلو البيت في العشية إلا مني و من أختي الصغيرة فتلتفت إلى جسدها وتقوم بالاستحمام [ لا صنابير ولا تجهيزات خاصة]
تغسل في لحمها.
فيسارع هاشا إياي و يصفعني على وجهي متلفتا نحو أخي محاولا إخفاء ابتسامة لا إرادية.
فيملأني في كل مرة استغراب حول لماذا أضرب رغم أني أقول الحق”.
وعندما دخل المذياع حياتنا في ما بعد كان استخدامه يقتصر تقريبا على سماع البرامج الدينية ونشرات الأخبار وتمثيليات عبدو الطرابلسي وبرنامج خديجة الجهمي.
كانت الأغاني ممنوعة منعا قاطعا في حالة وجود أبي أو أحد أخويَّ في البيت [كانت أمي متساهلة نسبيا عندما نتواجد معها أنا وأختي الأصغر مني فقط].
كنت أحاول كسر هذا الطوق فأقوم، حين تسنح الفرصة، بخفض صوت المذياع بحيث لا يدخل صوته مدى أذان الآخرين. لكنها محاولة كانت كثيرا ما تمنى بالإخفاق. وكانت أمي هنا أكثر المتشددين تطرفا، فتأتي وتأخذ مني المذياع، ليس لأنها سمعت ما أستمع إليه، ولكن لتصورها المسبق لما أستمع إليه.
ذات مرة، ظل أبي يصيح موبخا إياي ويركلني لأنني كنت أستمع إلى تمثيلية ليبية تخاطب فيها امرأة رجلا (لعله زوجها) وهي تبكي قائلة:
يا حبيبي.
ظل يصيح وهو يركلني:
تي آهي تقول يا حبيبي! تقول يا حبيبي!.