خرّبْ الانتخابات يوم تفوخ عام
سالم العوكلي
يقول المثل الليبي (خرب الميعاد يوم يفوخ عام) والميعاد هو اجتماع الأعيان والنخب الاجتماعية لحل مشكلة أو أزمة ما، ويفوخ في هذا السياق بمعنى يتلاشى أو يتأجل لمدة عام . ولكن، إلى من عادة يوجه الأمر في فعل الأمر (خرّبْ) . على هامش كل ميعاد أو في داخله عادة ما يوجد أشخاص هذه مهمتهم (تخريب المواعيد) ويسمون سفهاء الميعاد، وحين يرى بعض الأطراف أن الميعاد ليس في صالحهم يطلبون من سفيه أو سفهاء تخريبة ليُقصى أو يتأجل لفترة أخرى حتى تتغير فيها الموازين أو تَفرض سياسة الأمر الواقع واقعا آخر في صالح طرف ما لن يفيده حل الأزمة.
بعد ماراثون من المؤتمرات والمبادرات والإحاطات لحل الانسداد السياسي في ليبيا الممزقة، اقترح المجتمع الدولي يوم 24 ديسمبر 2021 موعدا لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة، وأصبح هذا الموعد أو الميعاد التاريخَ الفاصل لبداية مرحلة جديدة في ليبيا وحسم مسألة الشرعية في حل الأزمة الليبية وحل مشكلة الشرعية، مثلما كان اليوم الأخير من العام 1951 يوما فاصلا في مصير ليبيا قبل 70 عاما، وضغطت بعض القوى العالمية النافذة من أجل إجراء الانتخابات في موعدها، وهي مشيحة بنظرها عن كم الألغام القابعة تحت أرض هذا الاستحقاق الذي بدأ حتى في حدس أكثر المتفائلين شبه مستحيل.
وقامت المفوضية العليا للانتخابات بجهد جبار من أجل التجهيز لهذه الانتخابات، ولكن لأن هذا الميعاد أو الموعد ليس في صالح بعض الأطراف، محلية أو إقليمية ــ وهو بالضرورة ليس في صالح كل السلطات القائمة التي من المفترض أن تخرج من المشهد ومن منطقة المال والنفوذ حين تأتي سلطات بديلة بما فيها رئيس واحد لدولة ليست واحدة بعد، وبسبب هذا الخوف من الميعاد الذي يشكل حلم الليبيين وكابوس الطبقة السياسية ــ صدرت أوامر للسفهاء ــ أو من السفهاء ــ من أجل العمل على تخريب هذا اليوم المنتظر ليؤجل إلى أجل ليس معروفا بعد ـ وربما جلسة البرلمان المنعقدة أثناء كتابة هذه المقالة لرسم خارطة تاريخ لما بعد تخريب الميعاد، ستحدد موعدا جديدا ليس بالضرورة أن يكون بعد عام وإن كان قابل للتخريب طالما البيئة المضادة كما هي، وطالما السفهاء الذين مهمتهم تخريب المواعيد مازالوا نافذين تحت سياسة الأمر الواقع، وهي السياسة التي تعامل معها، وللأسف، المجتمع الدولي واعترف بكل أجسامها غير الشرعية.
بدأ العمل على تخريب هذا اليوم المنتظر بترشح شخصيات إشكالية لمنصب الرئاسة، بما فيها مجرمون مطلوبون للعدالة، أو متهمون بالفساد مازالوا على قيد التحقيق، وأصبحت قائمة الترشح للرئاسة تتورم بشكل لا يعرقل الاستحقاق فقط ولكن يسخر منه، وهي محاولة من السفهاء لتخريب الميعاد ونجحت حتى الآن، ولابد أن تنجح لأنها مجربة، ولأن من طبيعة السفهاء حين يكونون في الواجهة التمتع بالحنكة وفن الدسائس التي تجعلهم ينجحون فيما يخص التعطيل والعرقلة، بعضهم قال صراحة “أهلا بالعرقلة والانقلاب”، وبعضهم هدد علنا هذا الاستحقاق بتفخيخ هذا اليوم وتحريك العصابات المسلحة الخارجة عن القانون لتخريبه، وبعضهم من قطاع الطرق اعترضوا شحنات البطاقات الانتخابية وسرقوها، وبعضهم حرك ميليشياته لتقفل شوارع العاصمة قبل يوم من الانتخابات، وبعضهم ممن وقع على تعهد بعدم الترشح باعتباره تقلد منصبا في المرحلة الانتقالية الحري بها أن تهيئ المناخ لهذا الاستحقاق وتراجع عن تعهده، وبعضهم مما حاصر مقرات المحاكم والقضاء التي تبث في الطعون.
هذا الحشد من السفهاء تحالفوا في مواجهة بقية الليبيين الحالمين بهذا اليوم الذي سموه على مواقع التواصل يوم العرس الليبي، وفي مواجهة (الشعب) الذي يتشدق السفهاء باسمه في كل كمين ينصبونه للمستقبل، ولأن الشعب مصطلح غير دقيق أفضل أن اسميهم (الناخبين) ممن يحق لهم المشاركة في الانتخابات وتقرير مصير البلد واختيار سلطته التنفيذية العليا وسلطته التشريعية. ولنكون أكثر دقة هم من سجلوا وتحصلوا على بطاقات انتخابية، وتقدرهم المفوضية عددهم بحوالي مليونين ونصف، تقريبا نصف من يحق لهم الاقتراع .
وهذه القلة من السفهاء وقفت في وجه هؤلاء الملايين وانتصرت عليهم وأجهضت حلمهم بهذا اليوم التاريخي الذي انتظروه كثيرا، والتجربة تقول أن قليلا من الشر قد ينتصر على كثير من الخير لكن ليس طويلا وليس دائما.
لكن حين يغيب الخيرون عن المشهد، الحالمون بالوطن والدولة المدنية والاستقرار، ويحضر السفهاء سيختل الميزان. وأكرر لا حل سوى أن يعلن هؤلاء الملايين الخيرون عن أنفسهم، ويخرجون إلى الميادين رافعين بطاقاتهم الانتخابية إلى أعلى، وسيشكلون قوة رادعة للسفاهة، وضد المستفيدين من خراب البلد وأزماتها الذين لن يتركوا كراسيهم ولا نفوذهم ولا مرتباتهم ولا فرص فسادهم إلا إذا أُجبروا على ذلك: أعضاء مجلس النواب العالقون منذ 7 سنوات و المنقسمون على بعضهم البعض والمتاجرون بالوطن وهو في أشد الحاجة لمن ينقذه، ومن سموا أنفسهم مجلس الدولة اللاصقون بالسلطة منذ 10 سنوات يتحورون كالفيروسات ويراوغون اللقاحات والأجسام المضادة، والحكومة الحالية المسماة وطنية والتي خرجت تماما عن مهامها، التي جاءت عبر الرشى وما انفكت تدفع الرشى من أجل أن تنخرط في الاستحقاق القادم ضاربة بالقانون وبأخلاق التعهدات عرض الحائط، وهي أطراف سياسية لا مصلحة لها في الانتخابات، بل كل الضرر، وهي من تحرض السفهاء لتخريب الانتخابات والتأجيل لكسب الوقت وكسب المزيد من المال.
أما الجانب العسكري في ليبيا فهو رهن بلجنة 5+5 التي تقوم بعمل مهم من أجل توحيد المؤسسة العسكرية واقتصارها على العسكريين فعلا الذين يحملون أرقاما عسكرية في كل أنحاء ليبيا من أجل تحييد التشكيلات المسلحة الخارجة عن القانون والمرتزقة من داخل ليبيا ومن خارجها.
في مواجهة هؤلاء السفهاء لا أرى سوى العاملين بضمائر وطنية ومهنية في المفوضية العليا للانتخابات التي قامت بما عليها لوجستيا وفنيا رغم وجودها في قلب السلاح الخارج عن القانون، ولا أرى سوى اللجنة العسكرية المشتركة 5+ 5 التي تتحمل مسؤولية توحيد المؤسسة العسكرية في أرض تستعيض عن الجيش بالعصابات المسلحة المدعومة من البنك المركزي. وهؤلاء وغيرهم من أصحاب الضمائر الوطنية يحتاجون إلى دفع من الشارع الليبي ، وأكرر أن الاستحقاق بأكمله ومستقبلنا، يحتاج إلى خروج الليبيين (الناخبين) إلى الشارع في مشهد سلمي وحضاري، لا يتحرشون بأحد ولا يستفزون أحدا، فقط يرتدون الكمامات ويحملون علم ليبيا والبطاقة الانتخابية، ويُشغّلون في موبيلاتهم النشيد الوطني (إننا يا ليبيا لن نخذلك) وحين تغيب الشمس يشعلون أضواء الموبايلات حتى تشرق شمس ليبيا في يوم جديد، ويداومون على ذلك حتى يتراجع السفهاء إلى الخلف. فقط لنقول للعالم الذي يستهزئ بنا أننا موجودون، ومتحضرون، وجاهزون لكل استحقاق حضاري، مثلما وقفنا في طوابير طويلة في السابع من يوليو 2012 في مشهد أشاد به العالم، قبل أن يسرق السفهاء واللصوص الذين خانوا ثقتنا الحلمّ بالمستقبل وبالدولة المدنية منا، وهذا لن يتكرر لأننا استوعبنا الدرس، ولن يحدث طالما هناك ميادين وشوارع وناخبون لم يفقدوا الحلم بليبيا التي في خاطرهم.