خبايا وأسرار تدخلات خارجية في ليبيا
مخابرات فرنسية ومافيا إيطالية وعملاء محليون شركاء في الأزمة
ترجمة خاصة 218
سلط تقرير أعدته مجلة “موديرن ديبلوماسي” الضوء على الدور الاستخباري والعسكري الفرنسي إبان ثورة العام 2011 في ليبيا ضد نظام القذافي انطلاقا من مالطا حيث وصلت الأسلحة والمدربين والمعلومات الاستخبارية إلى الثوار في برقة.
وأشار التقرير إلى وصول الأسلحة إلى ساحل مدينة بنغازي مع اثنين من الغواصات النووية ولواء استخبارات بعد أن تم ترتيب الارتباطات خارج البلاد، وفي بعض الأحيان خارج روما بمساعدة من الولايات المتحدة، مبيناً أنه تمت مشاهدة الأفلام الوثائقية الأولى لقوات الثوار ضد القذافي وقد تم تدريبهم وتجهيزهم بوسائل ومواد كانت متوفرة في العادة لأفضل الفرق الضاربة لأجهزة الاستخبارات الغربية.
وأضاف التقرير أنه كان من الصعب التصديق كيف كان هؤلاء الثوار متمكنين من استخدام هذه الأسلحة المتقدمة، فيما لجأ العملاء الفرنسيون إلى استخدام الرحلات السرية لمراقبة وصول وتوزيع الأسلحة للتيقن بشكل خاص من عدم وصول هذه الأسلحة إلى أيادي من يجب أن لا تصل إليهم، مشيرا إلى أنه ومنذ الهجمات الأولى في العاصمة طرابلس قام العملاء الفرنسيون بتجهيز الثوار بما قيمته أكثر من 9 مليارات و100 مليون دولار من الأسلحة، فيما بيّنت معلومات لم يجر التحقق منها بشكل تام أن أموال الأسلحة التي وصلت للثوار تم اقتطاعها من الأموال الليبية المجمدة في بلجيكا.
وبحسب التقرير فإن القناة التي نفّذ من خلالها العملاء الفرنسيون خططهم لإيصال الأسلحة كانت اللواء عبد الفتاح يونس العبيدي الذي تولى مهام قيادة جيش التحرير الوطني الليبي الممثل لمقاتلين من برقة قوامهم قرابة الـ13 ألفاً أتوا من أبناء القبائل الثائرة المنضوين سابقاً في جيش القذافي، مشيراً إلى أن وثائق “ويكليكس” كشفت عن تمكن الولايات المتحدة من اكتشاف تواصل سري بين العبيدي الذي تم اغتياله في الـ28 من يوليو عام 2011 قرب بنغازي وسيف الإسلام القذافي لتكشف تقارير لاحقة عن تدبير جهات “جهادية” عملية اغتيال العبيدي بعد أن توغلت في الثورة الليبية المدعومة من الغرب.
ومضى التقرير في التوضيح بأن فرنسا كانت تخشى قيام المجاميع المتنوعة للثوار بتنفيذ أعمال إرهابية في فرنسا بعد سقوط نظام القذافي، وهو الأمر الذي يثير تساؤلا بشأن المغزى من دعم الثورة ضد القذافي، مُتطرقاً في ذات الوقت إلى قيام حكومة الوفاق بشكل سري بضمان تسليم نحو 35% من النفط الليبي إلى فرنسا لشكرها على دورها في دعم الثورة لتضاف إلى 15% استحوذت عليها من قبل شركة توتال المرتبطة بشكل وثيق مع المخابرات الفرنسية.
ووفقا للتقرير فإن الفكرة الاستراتيجية لفرنسا هي إلحاق الضرر بإيطاليا من خلال المهاجرين غير الشرعيين الذين يمر بعضهم عبر مناطق نفوذ القوات الفرنسية الواصلة إلى منطقة أغاديز حيث سينتهي الحال بعدد كبير منهم في الساحل الإيطالي، متناولاً في ذات الوقت العمليات العسكرية التي قامت بها بريطانيا في ليبيا على غرار العمليات الفرنسية عبر استخدام مالطا منطلقاً لذلك لتكون بهذا المنطلق الدائم للعمليات الاستخبارية.
ومضى التقرير بالتوضيح أن النفط الليبي يستمر تهريبه من سواحل طرابلس حتى سرت ومن ثم إلى مالطا بغطاء من المافيا في جزيرة صقلية وبعض السياسيين المالطيين ممن حصلوا على أرباح سنوية تزيد عن 82 مليون يورو، وهو الأمر الذي حاولت الصحفية الاستقصائية “دافني كاروانا غاليزيا” التحقق منه قبل أن تتعرض للاغتيال عبر تفجير سيارتها، مبيناً أن النفط الليبي المهرب يأتي بحماية من الجماعات المسلحة ويتم إخفاؤه في سفن لصيد السمك ليصل إلى مالطا من دون أن تقوم الشرطة البحرية المالطية بإيقافها لتقوم شركات التهريب فيما بعد ببيعه إلى دول أوروبية أخرى.
ولم تستبعد وكالات إنفاذ القانون في إيطاليا وجود تواطؤ رسمي من قبل الجهات المالطية لتزوير أوراق استيراد لتمرير النفط الليبي المهرب لصالح أسر المفايا وعدد من الوجهاء في إقليم كاتانيا في صقلية، فيما يؤكد خبراء التأمين أن النفط المهرب يكلف ليبيا خسائر تقدر بـ750 مليون دولار سنويا، في وقت أفاد فيه المحققون الإيطاليون وغيرهم بأن المهربين المالطيين يقومون دائماً بالاشتراك مع العديد من زعماء العصابات الليبية باستحداث طرق مرور جديدة لإخفاء المواد المهربة ومنها موانئ صغيرة في جنوب إسبانيا تنطلق فيما بعد نحو قبرص.
وبعد العام 2011 تم تغيير مسارات انطلاق تهريب مادة الحشيش المخدرة من المغرب لتكون من مدينة طبرق الليبية بحماية من جماعات مسلحة لتقوم فيما بعد أسر المافيا في صقلية بتوزيعها في إيطاليا وباقي المناطق في أوروبا، فيما تغيرت طريقة توريد المخدرات إلى أوروبا هي الأخرى، فبعد أن كانت عملية نقلها تتم بسفن عملاقة سورية يتم الآن نقلها بحمولات صغيرة من الساحل الليبي إلى السواحل الأوروبية بواسطة سفن صيد ليتم إيداع عائداتها في المصارف المالطية.
وفي الماضي كان التهريب مسموح به نوعا ما من قبل القذافي لأصدقائه المقربين منه وكان يرتبط بشكل أساسي بالسلع القانونية النادرة في السوق الليبية فيما تغير الحال بعد العام 2011 ولم يقتصر الحال على هذه السلع بل تعداها ليشمل السلع غير المشروعة مثل الأسلحة والمخدرات والمهاجرين غير الشرعيين ليبقى الاقتصاد في ليبيا اقتصاد حرب يسود فيه العنف بين الجميع.
ومثلت الأموال المتأتية من تهريب البشر مصدر دخل لا بأس به للعديد من الفصائل في ليبيا ممن حققت في العام 2017 قرابة المليار دولار قياسا بـ985 مليونا تحققت خلال العام الحالي، فيما تشير الإحصاءات الرسمية الليبية إلى تهريب 30% من الوقود عبر 105 من الموزعين الوهميين، فيما يتم تهريب الأنواع الأخرى من المشتقات النفطية عبر دارفور أو جنوب السودان إلى سوق غنية في الصحراء الكبرى حيث لا يوجد شبكات توزيع كبيرة.
ويتم سرقة وقود الديزل في البحر ليتم بيعه لاحقاً لموزعين إيطاليين وأوربيين من خلال وسطاء يرتبطون مع عصابات ليبية ليحصل المهربون على نحو 18% من عوائد نفط ليبيا كل عام، فيما أصبحت البلاد بعد العام 2011 نقطة عبور واستهلاك لأنواع عديدة من المخدرات ومنها الهيروين والكوكائين والميثامفيتامين شأنها شأن أفغانستان لتجد كل هذه الأنواع طريقها فيما بعد إلى إيطاليا والموانئ الإسبانية.
من جانب آخر اتهم المسؤولون التنفيذيون في مصرف ليبيا المركزي في البيضاء نحو 24 شركة أجنبية و44 ليبية بالتورط في تهريب العملات من مناطق تحصيل النقد في ليبيا إلى البنوك المالطية والقبرصية والإسبانية.
وخلص التقرير إلى وجود رابط بين الاقتصادات غير القانونية للاتحاد الأوروبي ونظيرتها الإجرامية في ليبيا التي تتقاتل فيها الجماعات المسلحة مع بعضها البعض في وقت تنقسم فيه الدولة غائبة الدور إلى قسمين.