حول سياسة تصحيح وتوحيد سعر الصرف (2)
د. محمد أبو سنينة
في عام 1998 قام مصرف ليبيا المركزي بتخفيض القيمة التعادلية للدينار الليبيي، بحيت أصبح الدينار الليبي يعادل 1.517 وحدة حقوق سحب خاصة (حقوق السحب الخاصة (SDR) هي أصل احتياطي استحدثه صندوق النقد الدولي ليصبح مكملا للأصول الرسمية الخاصة بالدول الأعضاء في الصندوق، وتتحدد قيمته اعتماد على سلة من العملات الدولية القابلة للتحويل ويمكن مبادلته بأي منها وهي: الدولار الأميركي واليورو والجنيه الاسترليني والين الياباني واليوان الصيني. وعندما عدل مصرف ليبيا المركزي القيمة التعادلية للدينار أصبحت قيمته 1.517 وحدة حقوق سحب خاصة بدلا من 2.8 وحدة حقوق سحب خاصة التي كان معمولا بها.
وكان هذا التخفيض في سعر الصرف الرسمي للدينار الليبيى بهدف تهيئة البيئة لتصحيح أوضاع سعر الصرف، وقد سبقه تخفيض آخر عام 1995، غير أن هذه التخفيضات لم تكن كافية للقضاء على السوق السوداء للنقد الأجنبى نظرا لاستمرار إجراءات وضوابط الرقابة على النقد، والعمل بأسلوب الموازنات الاستيرادية السلعية .
وكان مصرف ليبيا المركزى قد أقر لأول مرة، خلال العام 1999، العمل بما عرف بسياسة سعر الصرف الخاص المعلن الذي طبق على استخدامات النقد الأجنبي والأغراض التي حددها كتاب اللجنة الشعبية العامة سابقا رقم 40-4-1-7-2 المؤرخ في 2 فبراير 1999 وذلك اعتباراً من شهر مارس 1999. وكان سعر الصرف الخاص المعلن قد طبق في البداية على الأغراض الشخصية (غير تجارية) التي تضمنت الصرف النقدي أو بيع النقد الأجنبي للجمهور نقدا والتحويلات المباشرة للأغراض الشخصية مثل العلاج والدراسة على النفقة الخاصة بالخارج، ومصاريف رفع قضايا بالخارج وكذلك الاعتمادات التي تفتح لأغراض استيراد معدات ولوازم شخصية غير تجارية وشراء النقد الاجنبي لأغراض السفر والحج والعمرة وتذاكر السفر التي تصدرها شركات الطيران العالمية … الخ . وقبل العمل بما عرف بسعر الصرف الخاص المعلن كان يعمل بسعر الصرف التجاري لدى شركة الصرافة والخدمات المالية . وقد تم إلغاء العمل بسعر الصرف التجاري بقرار مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي رقم (6) لسنة 1999 عندما تقرر البدء في بيع النقد الأجنبي وفقا لآلية سعر الصرف الخاص المعلن .
وكانت البداية بتحديد سعر لصرف الدينار الليبي قريب جدا من سعر الصرف فى السوق الموازية فى ذلك الوقت، حيت أعلن مصرف ليبيا المركزي، بموجب قرار مجلس الإدارة المنوه عنه، عن سعر بيع الدولار الأميركي عند 3.200 دينار لكل دولار، وكان سعر صرف الدولار في السوق السوداء في ذلك الوقت 3.70 دينار، كما حدد سعر بيع اليورو عند 3.619 دينار، والجنيه الاسترليني عند سعر 5.216 دينار، وأذن مصرف ليبيا المركزي للمصارف التجارية ببيع النقد الأجنبي عند هذه الأسعار وألغت الحكومة العمل بنظام الموازنة الاستيرادية وسمح للأفراد بشراء النقد الأجنبى وتحويله للأغراض التي حددها كتاب مجلس الوزراء (اللجنة الشعبية العامة سابقا) المشار إليه، وطبقت هذه الأسعار المعلنة على الجهات والأفراد الطبيعية والاعتبارية العامة والخاصة، الليبية وغير الليبية العاملة في ليبيا، باستتناء تحويلات الحكومة التي استمرت تنفد بسعر الصرف الرسمي للدينار الليبي.
وهذا يعنى إلغاء أسعار الصرف الأخرى التي كانت محددة لبعض الأغراض التي كان معمولا بها قبل صدور القرار رقم (6) لسنة 1999. وصار مصرف ليبيا المركزي يصدر نشرة بأسعار بيع وشراء العملات الأجنبية التي يعمل بها لدى المصارف التجارية وشركة الصرافة بحيث تضمنت هذه النشرة سعرا للبيع النقدي وآخر للحوالات والاعتمادات المستندية، بفارق غير كبير. وكان أول تعديل أجراه مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي على سعر الصرف المعلن خلال شهر مارس 1999، أَي بعد أسبوعين من تاريخ أول تعديل أدخل على سعر الصرف، فتم تخفيض سعر بيع الدولار الأميركي من 3.20 دينار إلى 3.100 دينار، وبعد أسبوعين من تاريخ هذا التعديل أجرى مجلس الإدارة تخفيضا آخر لسعر بيع أو صرف الدولار بحيث أصبح 2.950 دينار للدولار الواحد، ثم جرى تخفيضا آخر لسعر صرف الدولار حيت أصبح السعر 2.500 دينار للدولار الواحد، ثم خفض السعر إلى 2.250 دينار. وكانت هذه التخفيضات يصدر بشأن كل منها قرار من مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي، وفي ذات الوقت يتم تعديل أسعار العملات الأجنبية الأخرى، ويتم تبليغ القرار للمصارف التجارية للعمل به فى اليوم التالي لصدور القرار. وكان السعر الذي يتم تحديده يتقرر في أثناء انعقاد اجتماع مجلس الإدارة، أَي يتقرر في حينه، وبمنتهى السرية، ويبلغ ويطبق بمنتهى الدقة لدى المصارف التجارية في اليوم التالي. ومند اليوم الأول لإقرار وإعلان سعر الصرف الخاص المعلن أصبح المصرف المركزى يقود السعر، وأصبح سعر الصرف في السوق الموازية يتحدد على ضوء سعر الصرف الخاص المعلن ، بل أن سعر الصرف في السوق الموازية أصبح أقل من سعر الصرف الخاص المعلن فى بعض الأحيان. بمعنى أن السوق السوداء للنقد الأجنبي كانت قد انتهت عمليا مند اليوم الأول ، حيت تم سحب السعر إلى أسفل متأثرا بسعر الصرف الخاص المعلن الذي كان النقد الأجنبي متوفرا عنده بدون قيود تذكر، ولعل أقلها أنه صار بإمكان كل مواطن شراء النقد الأجنبي بمعدل 5000 دولار في السنة .
وبتاريخ 10 يوليو 1999 فوض مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي المحافظ باتخاد الإجراءات التنفيدية اللازمة لوضع قرار مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي موضع التنفيد، ومنذ التاريخ المشار إليه أصبح سعر الصرف الخاص المعلن يطبق أيضاً على الاعتمادات المستندية لأغراض استيراد السلع ومستلزمات الإنتاج للأغراض التجارية. وكانت بداية تطبيق سعر الصرف الخاص المعلن للأغراض التجارية عند سعر 2.00 دينار للدولار الواحد ، بمعنى آخر أصبح سعر الصرف الخاص للدينار الليبي دينارا واحدا يساوي 500. 0 دولار. وكان مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي قد قرر بتاريخ 15 أبريل 1999 وقف شراء النقد الاجنبي من قبل المصارف التجارية، أي أن المصارف التجارية كان مسموح لها ببيع النقد الأجنبي وغير مسموح لها بشرائه في بداية تنفيد هذا البرنامج . وبتاريخ 04 نوفمبر 1999 قرر مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي السماح للمصارف التجارية وشركة الصرافة الشروع في شراء النقد الأجنبي من الجمهور والجهات الاعتبارية بسعر الشراء الخاص المعلن، وتم تفويض المحافظ باتخاد قرار بوقف شراء النقد الأجنبي فى أَي وقت إذا رأى ذلك مناسبا، حيث حدد سعر شراء الدولار الواحد عند 1.900 دينار وسعر شراء اليورو 2.029 دينار .
وقد استمر مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي خلال عام 2000 في تخفيض سعر الصرف الخاص المعلن بالتدريج، وعلى فترات زمنية، بحيت خفض سعر الدولار (سعر البيع) إلى 1.800 دينار ثم 1.700 دينار للدولار، ثم 1.600 دينار، ثم 1.550 دينار للدولار .
وبتاريخ 24 ديسمبر 2001 أصدر مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي القرار التاريخي رقم (40) لسنة 2001 تم بموجبه تخفيض ( devaluation) وتوحيد سعر الصرف الرسمى للدينار الليبي، بحيت خفضت القيمة التعادلية للدينار مقومة بوحدات حقوق السحب الخاصة لتصبح 0.608 وحدة حقوق سحب خاصة لكل دينار، أي أن سعر الدولار الواحد قد حدد عند 1.30 دينار وهو السعر المستهدف.
وبدلك توقف العمل بسعر الصرف الخاص المعلن، بل أنه تم إلغاء هذا السعر وإلغاء كافة القرارات الموجبة له، وتم توحيد سعر صرف الدينار الليبي عند سعره الجديد الذي طبق على جميع الأغراض والمعاملات التي يدخل فيها نقدا أجنبيا لكافة الأفراد الطبيعية والمعنوية بما في ذلك تحويلات الحكومة وتوريداتها من الخارج وعلى جميع الجهات الوطنية والأجنبية دون أستتناء، كما صارت إيرادات النفط تقوم على أساس سعر الصرف الجديد مما أدى إلى زيادة إيرادات الخزانة العامة. وبدأ العمل بالسعر الموحد الجديد اعتبارا من 01 يناير 2002 .
البقية في الجزء الثالث.