حول الدعوة لانتخابات ليبية مبكرة
د. جبريل العبيدي
الأطراف التي دعت إلى انتخابات مبكرة لحلحلة الأزمة الليبية، ومنها ما يسمى «خريطة الطريق»، التي أعلن عنها السراج، «رئيس المجلس الرئاسي»، غير الدستوري، يجعلها بين الواقعية والخيال من حيث التوقيت والزمان والظروف، التي لا تحمل أي ضمانة لنجاح تلك الانتخابات وضمان نزاهتها، خصوصا إذا تمّت وفق قانون المفوضية الحالي، الذي هو في الأصل ميراث ثقيل لقانون انتخابي حررته جماعة الإخوان، وفصلت ثوبه على مقاس مرشحيها وخططهم الانتخابية، عندما كانت تسيطر على المجلس الانتقالي (أول سلطة تشريعية غير منتخبة بعد سقوط القذافي)، حيث تغلغلت الجماعة وتسللت إلى المجلس وتمكنت منه، مما جعلها تهيمن على ثاني سلطة تشريعية في البلاد، وهي «المؤتمر الوطني» الذي رفض أعضاؤه تسليم السلطة بعد خسارتهم انتخابات عام 2014، ورفضوا تسليم السلطة للبرلمان الليبي الأول والمنتخب ديمقراطياً وخاضوا حرباً عرفت بحرب فجر ليبيا، وسيطروا على العاصمة طرابلس وأحرقوا مطارها، ودمروا أكثر من 20 طائرة كانت رابضة في أرض المطار، وأشعلوا النيران في خزانات النفط، وهجروا البرلمان الليبي الذي اتخذ من طبرق مقراً مؤقتاً له بعد سيطرة ميليشيات الإخوان المعروفة بـ«الدروع» على مدينة بنغازي في عام 2014، حيث مقر البرلمان وفق الإعلان الدستوري، مما يؤكد أن هذه الجماعات لا تؤمن بالديمقراطية حتى وإن زعمت خوضها، فهي أي جماعة الإخوان وأخواتها لا تلتزم بنتائج العملية الانتخابية، إلا إذ كانت النتائج لصالحها، وعدا ذلك تنقلب وتعلن الحرب عليها وعلى الفائز فيها، كما قال المفكر الأميركي هنتنغتون الذي كان يرى أن الشعوب العربية لم تنضج بعد لممارسة الديمقراطية، في إشارة إلى تغلغل هذه الجماعات في المجتمعات العربية، واستخدامها للعملية الانتخابية كما تستخدم عود الثقاب يشتعل مرة واحدة فقط.
نظرة المفكر الأميركي هنتنغتون تبقى نظرة شاذة واستعلائية، وينطبق عليه ما ذكره المفكر الفرنسي بروكنر الذي اتهم الغرب بالاستحواذ على الديمقراطية، وكأنها كنز يخصهم والاحتفاظ بها لنفسه دون الأمم الأخرى، إلا أنها لا تخلو من بعض الحقيقة، عندما يتعلق الأمر بمفهوم هذه الجماعات للعملية الديمقراطية.
مفهوم الانتخاب يختلف عند البعض اليوم بعد غياب عن الممارسة دام 42 عاماً على آخر انتخابات شهدتها البلاد، ولعل من شهدها وكان له حق الانتخاب في حينها قد رحل عنا أو بلغ من العمر عتياً، وقد لا يتذكر عنها الكثير.
الانتخاب في الأصل هو حق التصويت لصالح أحد المرشحين، وتعددت طرق الانتخابات والترشح، فمنها الفردي وهو أن يرشح الفرد نفسه، ويكون التصويت هنا لصالح الفرد، وهنا كثيراً ما يحدث الخلط بين الفرد والمنصب، وقد تشخصن الانتخابات، ويتأثر الناخب في كثير من الأحيان بعوامل قد تنحرف بسير الانتخاب من اختيار الأصلح للمنصب، إلى اختيار على أساس شخصي تتحكم فيه أحيانا كثيرة العوامل المؤدلجة أو الجهوية والقبلية وحتى المال، في حين الانتخاب ضمن قائمة مغلقة مثلا ذات برنامج محدد تطرحه القائمة، يكون هنا الانتخاب أكثر ضماناً للتحرر من سلطة أصحاب المال إلى اختيار البرنامج الأصلح لخدمة البلد دون النظر للأشخاص، حيث تتم المفاضلة بين البرامج والأفكار، ولا وجود للعلاقات الشخصية ضمن هذا النوع، ولعل من أهم مقومات الانتخاب هو وجود إطار تشريعي منظم له، ويكون فيه حق الانتخاب مكفولاً للجميع دون إقصاء لأي مكون ليبي، مع وجود سجل محدد للناخبين وفق قانون الجنسية الليبية.
ليبيا بعد تغييب دام لأربعة عقود عن آخر تجربة انتخابية رغم أنها متعثرة وصعبة، ولهذا أي دعوة جديدة إلى انتخابات مبكرة تجعل منها فكرة غير ناضجة، ولا يمكن ضمان نتائجها وسلامة الإجراءات ونزاهة الانتخابات، بل وحتى ضمان الاعتراف والإقرار بالنتائج من جميع الأطراف، خصوصاً أن الميليشيات لا تزال تسيطر على العاصمة طرابلس، بل وبعضها يعلن الولاء لحكومة «الوفاق» المقترحة التي تمارس السلطة من خلال استقواء بالأجنبي دون أي غطاء دستوري أو ثقة شعبية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ