حملة دعم مكتبة جامعة بنغازي المركزية
سالم العوكلي
العام 1983 تخرجت من كلية الزراعة فرع جامعة قاريونس بالبيضاء، في المقر السابق للجامعة الإسلامية التي ألغيت بقرار من قيادة مجلس الثورة في نوفمبر 1970 وأحرق ما تحويه مكتبتها من كتب. في وسط هذا الفضاء كانت تقبع المكتبة بقبتها الذهبية ومدرجها، التابعة للمكتبة المركزية في الجامعة ببنغازي. كانت هذه المكتبة مكتظة بالكتب القيمة وتصلها الدوريات والنشرات العلمية يوميا. بعد أحداث الحادي عشر من أبريل، العام 1982 الدموية ، والتي جرت بمدرج هذه المكتبة الذي تحول إلى بحيرة دم، أطلق اسم أحد أعضاء اللجان الثورية الذي قضى في حادث سير بين سرت والبيضاء على المدرج والمكتبة، وتحول مبناها الكلاسيكي الفاخر إلى فزاعة رعب للطلاب الذين شهدوا الأحداث الدموية، ومازلت أحس بذلك الرعب حين أرى قبتها في عبوري الطريق العام المحاذي لها.
كانت ذكرياتي في بداية الدراسة في هذه المكتبة رائعة لكن ما سال من دم في أبريل على جنباتها حولها إلى كابوس.
بعد 34 سنة، وفي العام 2016 ، تعرضت جامعة بنغازي ومكتبتها المركزية لخراب وحرائق جراء تمترس المجموعات الإرهابية التابعة لما يسمى بالإسلام السياسي ـــ الذي كان يقوده المؤتمر الوطني وحكوماته ـــ بها، وعمل الموظفون بالمكتبة بمعاونة فوج الكشافة في يوليو 2017 على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من كنوز هذه المكتبة ونقلها إلى مكان آمن، حيث مقرها الجديد بمجمع الكليات الطبية ببنغازي .
تتعدد الفاشيات والخراب واحد، والعداء للكتب والمكتبات ديدن كل فاشية تسعى للتحكم في الرعية عبر نشر الجهل بينها لتحكم قبضتها عليها. فالنظام السابق بدأ حربه على الكتب والمكتبات من أجل الوصول إلى إنتاج رعية جاهلة وتحويلها إلى حاضنة شعبية للاستبداد تشكل غالبية بإمكانها أن تشوش على آراء الأقلية الناقدة. فأحرق مكتبة الجامعة الإسلامية في البيضاء وأحرق الكتب الإنجليزية، بل الأمر تعدى الورق واللغة ليحرق فيما بعد الآلات الموسيقية متوجها بحربه إلى كل ما يسهم في خلق فضاء جمالي طارد بطبيعته لفكرة الاستبداد الذي لا يترعرع إلا مع تفشي القبح والتجهم في المجتمع.
ويأتي كل هذا في إطار محاربة الجمال بكل صنوفه الذي تمارسه السلطات الفاشية، سواء كانت سياسية أو دينية، أو حتى اجتماعية خاضعة للتخدير من قبل هذه السلطات النافذة.
طرف يحرق مكتبة جامعة بنغازي ويدمرها والطرف المضاد له يصادر شحنات الكتب ويحرقها، ورغم الصراع الدموي إلا أن هذا الاتفاق الجزئي يشي بأن الكتاب أو المعرفة عموما تشكل تهديدا لبنية الجهل والتخلف التحتية التي فوقها تشيد أبنية الطغيان.
اختيار المكتبة المركزية في جامعة البيضاء لتكون مكانا للمجزرة الأبريلية العام 1982 لم يكن مصادفة، وحرق مكتبة الجامعة الإسلامية ، وتدمير المكتبة المركزية بجامعة قاريونس ، كلها كانت حلقات متتابعة من أجل هدف يكمن في لاوعي أية سلطة تؤسس لنظام فاشي. لأنهم يدركون أن الكتاب والمكتبة هي ركيزة التنوير الذي أدى في النهاية لتجريد كل هذه الأنظمة السياسية واللاهوتية من سلطاتها المطلقة.
ما أثار هذه الشجون المحزنة المقترح الذي وصلني من الصديق نجيب الحصادي بخصوص “حملة دعم مكتبة جامعة بنغازي المركزية” التي ترعاها “جمعية دعم جامعة بنغازي” بهدف تطوير إدارتها، وإنشاء مطبعة تابعة لها، وجلب أكبر عدد ممكن من الكتب والمخطوطات، والوثائق والأشرطة، والمجلات العلمية والثقافية الورقية والإلكترونية.
أتمنى لهذه الحملة أن تنجح، وأن لا تقف ضدها تلك القوى التي مازالت ترى الكتاب خطرا مهددا لطموحاتها في التسلط، ويكفي أن نقول أنه في الوقت الذي يتنقل فيه السلاح والمخدرات وحتى الجواسيس بكل حرية في هذا الوطن مازالت الكتب وحدها هي التي تلاحق وتصادر، وفي الوقت الذي غابت فيه كل المؤسسات الرقابية مازالت رقابة المطبوعات هي التي تعمل بمثابرة.
“بواعث الحملة
- فقر المكتبة وتعرضها لعمليات سلب وتخريب.
- تأخر إدارة المكتبة عن مواكبة التقنيات المكتبية الحديثة.
- عجز الجامعة عن إصدار مؤلفات وتراجم تسهم بها بدورها التنويري والتنموي في المجتمع.
آليات الحملة
- إقامة قسم المكتبات ورش عمل حول مواصفات الكتب والمخطوطات والوثائق المستهدفة، ودورات لتدريب مدربين على تصنيفها وأرشفتها بما يسهل إدماجها في منظومة المكتبة المركزية.
- إطلاق المرحلة الأولى من الحملة تحت شعار “كتاب عن كل طالب” بهدف جلب 75 ألف عنوان.
- إطلاق المرحلة الثانية تحت شعار “كتابان عن كل طالب” بهدف جلب 75 ألف عنوان آخر.
- استمرار عملية إطلاق المراحل بما يتيح مشاركة الأجيال القادمة.
- جلب المتطوعين من طلاب وأساتذة كل كلية عددا من العناوين يساوي عددهم، فإذا تجاوزوا هذا العدد، أحالوا الفائض إلى كلية لم تصله، أو إلى مكتبة كليتهم، أو احتفظوا به للمرحلة التالية.
- تقسيم العمل على الأقسام بأسلوب مماثل.
- مشاركة المثقفون والكتّاب بإهداء بعض من نسخ أعمالهم، وما يقتنون من كتب ووثائق ومخطوطات.
- تخصيص جناح في المكتبة المركزية للمكتبات الخاصة التي تهدى إليها.
- مخاطبة دور النشر المحلية والعربية والدولية بشأن إهدائها نسخا من منشوراتها.
- التواصل مع القطاعين الخاص والعام بخصوص المساهمة في دفع رسوم اشتراك المكتبة المركزية في الدوريات العلمية، والمكتبات الإلكترونية، والمواقع البحثية.
- تحديد مواصفات مطبعة حديثة، وتكلفة شرائها وصيانتها، وسبل استثمارها.
- دعوة رجال الأعمال الليبيين للمساهمة في تغطية تكاليف المطبعة.
- التواصل مع إدارة الجامعة والجهات المختصة بشأن عقد دورات وورش عمل تدريبية محلية، وإرسال بعثات دراسية إلى الخارج، لبناء قدرات وصقل مهارات العاملين بالمكتبة.“.