حل شامل… أم أنه إعادة تدوير للأزمة؟
بعد عشر سنوات من نشوب الأزمة، يبدو أن ملف القضية الليبية الشائك… في طريقه إلى الحل، ويبدو أن الخير آتٍ؛ أو على الأقل هذا ما يتمناه الليبيون داخل ليبيا وخارجها.
انطلاقًا من جنيف في سويسرا، وبوزنيقة في المغرب، والغردقة في مصر، ومنها إلى الرباط وصولاً إلى تونس، وسرت وغدامس، اجتمع وفدا الحوار، في محاولة للوصول إلى “حل شامل وتحقيق رؤية موحدة حول إطار وترتيبات الحكم، التي ستفضي الى إجراء انتخابات وطنية في أقصر إطار زمني ممكن، من أجل استعادة سيادة ليبيا والشرعية الديمقراطية للمؤسسات الليبية” بحسب بيان البعثة الأممية
مهلاً عزيزي القارئ… هل لنا أن نتخيل ماذا سيحدث في حال نجاح هذه الحوارات، والتمكن حقًا من الوصول لحل شامل، يفضي إلى صناعة السلام الموحد.
ستلتئم جراحنا، وتتوحدُ حكوماتنا، من شرقها لغربها لجنوبها، سنتمكن من صناعة جيشٍ صنديدٍ مغوار موحد؛ يحارب لأجلنا الغزاة والطامعين، سنطوي هذه الصفحة العكِرة.. الملطخة بالدماء والحروب، ونفتح من جديد صفحة نحن نقرر ماذا سيكتب فيها، سنبدأ حينها بالانتخاب، سنتمكن من اختيار رئيس موحد للبلاد، يضع ليبيا وشعبها وأمنها وأمانها نصب عينه، سنشارك في اختيار الحكومة والدستور والقوانين، سنردم هذه الفجوة التي أخذت تصنعها النزاعات والحروب طوال تلك السنين العجاف.
حينئذ سنلتفت إلى إعمار البلاد، نشيد المباني ونعبد الطُرق، نبني المدارس والملاعب، ودور السينما والفنون.. وانطلاقًا من أهمية إعادة الإعمار والبناء… شاركنا مدير إدارة الشؤون الفنية والمشروعات التابعة للحكومة الليبية إبراهيم دعباج المرغني بتصوره لمستقبل ملف البناء والإعمار قائلاً: “في البداية يجب أن يتم حصر جميع المشاريع المتعاقد عليها من الناحية الفنية والمالية وتصنيفها مع نسب الإنجاز لجميع مشاريع القطاعات وتنسيب كل مشروع للقطاع الذي من اختصاصه، وجعل المشاريع المستعجلة والضرورية من أولوية الحكومة مع التواصل مع الشركات الأجنبية والمحلية ثم إبرام عقود تنفيذ مشاريع قبل ثورة السابع عشر من فبراير، إضافة لدراسات الأزمة من الناحية الفنية والمالية لكل مشروع على حدة، وإحالتها إلى الوزرات لوضعها من ضمن احتياجات الوزارة لتحديد القيمة المالية اللازمة لتنفيذ المشروع”
إذا… سنضعُ خطة تعليمية محكمة، تضمن التعلم والمتعة في تلقّي العلم، حتى نؤسس جيلاً واعدًا يحرص على الدفع بالبلاد إلى الأمام، بما يضمن بناء أساس متين لهم في مجالات الطب والهندسة والعلوم والاقتصاد، لننهض بمجالاتنا وعلومنا وقطاعاتنا، وفي سياق النهوض بالحركة الاقتصادية ومستقبل قطاع النفط شاركنا الخبير في مجال النفط والغاز رمزي الجدي برأيه قائلاً: “إن الحوار السياسي مبني على الوضع الاقتصادي ومدى إمكانية توحيد مؤسسات الدولة لإطفاء الدين العام، وإعادة إنتاج النفط، وتوحيد سعر الصرف لإنقاذ ليبيا من الانهيار الاقتصادي المقبلة عليه، والوصول إلى اتفاق سياسي يجمع جميع الأطراف على طاولة حوار للخروج بتوافق سياسي على السلطة التنفيذية هو الفرصة الأخيرة لإنقاذ ليبيا، وإنقاذ المواطن من الفقر الذي يهدد سكان ليبيا كافة”
ودعم الخبير والدكتور في مجال الاقتصاد علي الصلح هذا الكلام قائلا: ” أعتقد أن ليبيا ستكون أفضل مما هي عليه … بشرط وجود خطة تدعم الاستقرار الاقتصادي. من خلال تحديد المؤشرات الآتية لجهة السياسة المالية والنقدية، والمتمثلة في وضع الحجم الأمثل للنفقات، الحجم الأمثل للدين العام والعمل على تسديده … تفعيل السياسة الضريبة.. كما أن توحيد مجلس ادارة المصرف المركزي يحقق استقرارا إداريا ويمكّن الاقتصاد من العودة إلى تحديد سعر صرف توازني للمحافظة على الاستدامة المالية “
إلى جانب ذلك سيتم إفساح المجال أمام الشباب، للمشاركة في العملية السياسية وتقلد المناصب، كما سيتم تعزيز دورهم في مجال ريادة الأعمال والفنون، وعند بناء هذا الجيل سيُفتح الباب أمام الاختراعات والصناعات المحلية.
سنعمل ونعيشُ وفقًا للقوانين والتشريعات، والحقوق، التي تضمن لنا العيش بآدمية، مكفولي الحقوق، سنتمكن من صناعة إعلام حر نزيه، وقد لخص لنا الكاتب والصحفي والقاص الليبي بشير زعبية مستقبل الإعلام بالتمهيد لبناء مجلس وطني للإعلام تكون مهامه تنظيمية بالدرجة الأولى من حيث متابعة تنفيذ التشريعات الإعلامية والمساهمة في المنازعات الإعلامية وتفعيل مواثيق الشرف الإعلامية، عبر إنشاء جسم قد يكون وزارة أو مؤسسة للإعلام يكون عمرها محدود ويرتبط بهذه المهام:
– تفكيك المنظومة الإعلامية السابقة وإعادة ترتيبها وفق أسس مهنية واقعية.
– العمل مع الجهات المختصة بمساعدة نقابة الصحفيين على وضع التشريعات الإعلامية ومن بينها قانون الصحافة وقانون البث الفضائي (لا يوجد في ليبيا تشريع) والتشريعات المتعلقة بمزاولة العمل الإعلامي السمعي والبصري والإعلام الإلكتروني
– وضع تصور لخصخصة القنوات التلفزيونية والإذاعية الحكومية، والاحتفاظ بواحدة تمثل الحكومة، إلى جانب خصخصة الصحف التابعة لهيئة الصحافة وحل هذه الهيئة.
– إنشاء مركز إعلامي يتولى تنظيم عمل الصحفيين المحليين والأجانب، وتسويق أخبار الدولة، وتنظيم المؤتمرات الصحفية، والقيام بالمهام الدعائية والاعلانية للدولة.
ومن الاقتصاد ومجال النفط والصحافة والإعلام، إلى الثقافة إذ أبدى وزير الثقافة السابق خالد نجم رأيه قائلاً: “في حال نجاح هذه الحوارات سيتسنى للثقافة أخذ دورها في توعية وتثقيف المجتمع الليبي، إذ يعتبرها خالد نجم بمثابة وزارة الدفاع وخط الدفاع الأول الذي يجب أن نتحزم به للرفع من مستوى وعي الشعب الليبي والرفع به، إن التغيير يحتاج لوقت طويل لأن الثقافة والوعي يحتاجان إلى بناء والبناء يحتاج إلى وقت طويل لتغيير السلوك المجتمعي الكبير. لو كنا سلكنا طريق الثقافة والمعرفة لكنا اختصرنا الكثير مما نراه الآن..”
من الجانب الرياضي النسائي…لاعبه ألعاب القوى “رمي القرص” و بطلة رمي الجُلة في بطولة شمال أفريقيا، رتاج السائح قالت: “آمُل أن يكون هنالك اهتمام أكثر في جميع المجالات الرياضية، خاصةً رياضة النساء في ليبيا، وتعزيز دورهن في هذه المجالات؛ توجد لدينا مواهب نسائية في جميع أنواع الرياضة في ليبيا ولكن الظروف التي تمر بيها ليبيا حاليًا أدت لقصور في الاهتمام بهذا الجانب”
أما من جانب الحركة التشكيلية في ليبيا.. شاركتنا الدكتورة والفنانة التشكيلية حميدة صقر برأيها حول مستقبل الحركة الفنية في ليبيا إذ قسمته إلى ثلاث مراحل؛ الأولى هي أن الكوادر ذو الخبرة الفنية العالية موجودة… الدور الأهم والأبرز يقع على عاتق إنشاء الحكومات المراكز والمؤسسات التعليمية الفنية، ودور السينما والمقاهي الفنية والأدبية التي تدعم الحركة الفنية وتساهم في إثرائها أكثر… الثانية هي توحيد الفن والمدرسة الفنية الليبية، وبالتالي توحيد وتكاتف الجهود، حيث تشهد الساحة الفنية حاليًا تشتتا في أسلوب الرسم والمدارس المتبعة، إذ يتبع كل فرد مدرسته وأسلوبه الخاص، ولكن بالملتقيات والمؤسسات الموحدة سيتم دمج كل هذه المدارس والأفكار وتوحيدها، أما المرحلة الثالثة فقد لخصتها قائلة إنها مردود الفن التشكيلي على المجتمع، ونصيحتي لمن يكونون على قمة الهرم السياسي أن يكون جل اهتمامهم بالفن والثقافة، وأن تسلم الإدارات والمؤسسات الثقافية لأناس ذوي خبرة وكفاءة في هذا المجال واستبعاد الجهوية؛ لتقوم ليبيا وتكون دولة لها كيان كبير بين الدول بشعبها الواعي والمثقف”
ربما شارف أخيرًا جرح الشعب الليبي على الالتئام؛ وسينغلق قُطبة قُطبة، إذ إن نجاح الحوارات سيقود شعبنا نحو بوابة السلام؛ آخذين بعين الاعتبار أن ما من أمة يبنى صلاحها دونما إقرار شعبها بشهادة قلبية مغزاها أن القرار للجميع، والجميع سواسية؛ وبالنسبة لشعب عانى من تداعيات ثورة متشظية وسلطة فاشلة، فعلى هذا الاتفاق أن يكون حقًا أكثر من كونه هدنة، أو إعادة تدوير للأزمة… وأن يكون بردًا وسلامًا على الليبيين، “فكل مواطن من حقه وطن”