حكومة (تناكحوا) والثقة المسحوبة
سالم العوكلي
ما بني على باطل ليس بالضرورة باطل.. قد ينسجم هذا التعديل للمأثورة مع سحب مجلس النواب الثقة من الحكومة، والباطل كان وصول هذه القائمة للسلطة عن طريق المال الفاسد ودفع الرشى بشكل شبه معلن، تغاضت عنه بعثة الأمم المتحدة التي سلمت في النهاية بالفساد كغريزة طبيعية لدي مسؤولينا، وتغاضى عنه حتى الليبيون الذين وصلوا إلى اليأس من كل السلطات المتعاقبة وما عاد يهمهم كيف تأتي وكيف تذهب.
ورغم أن سحب الثقة، سواء اتفقنا معه أو اختلفنا، إجراء دستوري تحترمه السلطات في الدول التي تحترم نفسها حتى وإن كان ظالما للحكومة.. ورغم أنه جزء من تماريننا على التأقلم مع الحياة الدستورية، إلا أن رد رئيس الحكومة عليه كان شعبوياً بعد أن لاذ بالمسيرات المؤيدة، وشرع بدوره في دفع الرشى عبر صكوك النكاح وغيرها من الوعود الأخرى، متغاضياً عن دور الحكومة في إيصالنا للانتخابات في الموعد، ليحل الفعل تناكحوا بدل انتخبوا.
كان الهدف الرئيسي من ثورة فبراير وإزالة النظام السابق، نقل السلطة من خانة الشعبوية والمبايعة إلى فضاء الشرعية الدستورية والانتخابات وإرساء قاعدة للمظاهرات لتكون من أجل قيم سامية وليس مسيرات مؤيدة لأشخاص، لكن ادبيبة يعود بنا إلى زمن الخطابات الشعبوية والهبات التي يتصدق بها الراعي على الرعية، محاولاً أن يتحصل على شرعيته بحشد محيط به، مختزلاً ليبيا في طرابلس، ومختزلاً طرابلس في المئات من المستفيدين منه.
وبالتالي لابد من ملاحظات حول هذا النهج اللاخلاقي في استغلال ظروف الناس ومعاناتهم من أجل لعب أوراق سياسية:
أولا: خرجت الحكومة عن مهامها الرئيسية المكلفة بها كسلطة انتقالية، تتمثل في كل الترتيبات المنوطة بها، تهيئة المناخ لانتخابات رئاسية ونيابية حرة ونزيهة في 24 ديسمبر 2021 ، وتوجهت إلى سياسات خارجية تهدد السيادة الوطنية واقتصاد البلد،ودخلت في إجراءات تدغدغ وجدان الناس كي تغطي على القصور في مهامها الرئيسية، وأهمها إخراج المرتزقة والقوى الأجنبية وتفكيك الميليشيات ..وهي استحقاقات لم تتقدم خلال 8 أشهر خطوة واحدة.
ثانيا : حين يحشد أدبيبة جمهورا مؤيدا لنيل شرعيته يتحول إلى معمر صغير وبائس، فهل المسيرات التي خرجت بعشرات الألوف في طرابلس إبان ثورة فبراير تؤكد شرعية االقذافي؟ وهي مظاهرات نعرف أنها قامت عن طريق: حشد أيديولوجي للأتباع المستفيدين، وحشد جاء به تضليل إعلامي، وحشد جاء عبر هبات مالية.. والدليل على زيف هذه المسيرات ما رأيناه من حشود مضاعفة حين (تحررت) طرابلس من النظام السابق، وما رأيناه من حشود صغيرة يجمعها جماعة الأخوان من أتباعهم في ميدان الشهداء، معتبرين أولئك المئات هم الشعب الليبي.
ثالثا: أثيرت شبهات كثيرة بالفساد الذي أوصل قائمة ادبيبة إلى السلطة، تتعلق بدفع رشى، أكده موظفون مراقبون من الأمم المتحدة وشهود أعيان داخل الفندق المقيمة فيه لجنة الـــ 75 .. وبهذا المعنى كان منح الثقة لهذه الحكومة خطأً فادحاً من مجلس النواب، الذي بدروه تعرض لضغوط دولية حتى لا تتخذ ضده عقوبات كمعرقل للمسار.. بينما مجلس الدولة الذي تحورعن المؤتمر الوطني وأصبح جزءاً من سياسة الأمر الواقع، يسعى لقاعدة دستورية للانتخابات تمكن أولياءه من السلطة مستقبلاً وتقصي خصومه.
رابعا: حجة عدم اعتماد الميزانية في تبرير القصور واهية بناء على ما صُرف في هذه الفترة المحدودة(50 مليار دولار).. ووفق تقرير لجنة المالية بمجلس النواب “46 مليار و582 مليون إجمالي مصروفات حكومة الدبيبة خلال 8 أشهر”.. وهو مبلغ ضخم من الممكن الحكم على أهميته من خلال مقارنته بتكاليف إنشاء المدينة العاصمة الجديدة في مصر.. يرد في جريدة الدستور المصرية 16 مايو 2019 ما يلي: “وتأتى العاصمة الإدارية الجديدة فى مقدمة مدن الجيل الرابع، ومدينة ذكية جديدة، حيث تعد من أجدد المشروعات الاستثمارية للتطوير العقاري بقيمة إجمالية 60 مليار دولار، وعدد السكان المتوقع 6.5 ملايين نسمة.”. 6.5 مليون هم تعداد الشعب الليبي تقريبا.. بينما يقول وزير الإسكان المصري، مصطفى مدبولي: “أن العاصمة الجديدة ستكون بها أكبر حديقة على مستوى العالم، ومطار دولي جديد وحديقة ترفيهية 4 أضعاف مدينة “ديزني لاند”، ونحو1.1 مليون وحدة سكنية و40 ألف غرفة فندقية، وسنعتمد على الطاقة الجديدة والمتجددة، وأنه سيتم توفير كافة أشكال المواصلات بها، سواء النقل الجماعي أو مترو الأنفاق أو القطارات الكهربائية فائقة السرعة.”.. ولا تعليق.
خامساً، ومن زاوية أخرى: سبق للقذافي أن أعلن في أحد خطاباته أن من يتزوج من إفريقية ويترك البلد ستوهب له 10 آلاف دولار، وكثير ممن يحتشدون حول خطاباته استفادوا من هذه الصفقة دون أن يرحلوا.. يقول سيد التلاعب بالعقول أدولف هتلر: “لكي أحصل على الموافقة أمام جمهور المستمعين أتوجه إلى أغباهم وإلى أسفل ما فيه ، الغدد الدمعية أو الجنسية .. وأربح دائماً ، أما الأقلية الناقدة فأنا أتعهد بهم بطريقة أخرى”. وتأتي صكوك النكاح في سياق التلاعب بالعقول حيث رشوة الغرائز كانت دائما سبيل النظم الاستبدادية للاستمرار، وامتصاص الغضب والاحتقان، من دعم السلع الغذائية التي تجعل الحياة مستمرة بيولوجيا، إلى صكوك العرسان التي تؤجج هذا الكرنفال النكاحي، لتصبح جملة تناكحوا أكثر الجمل المنتشرة في الشارع الليبي،أما ما يترتب عن هذا النكاح من مشاكل، فلا شأن للحكومة بها، خصوصا ما سيصرف على المحامين في قضايا الطلاق بسبب أزمة السكن والبطالة وشح المرتبات التي لم يوضع لها أي حل.