حكومة باشاغا تطرق أبواب المجتمع الدولي
ظل الكثيرون متمسكون ببقاء حكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، حتى بعد فشل الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها نهاية العام الماضي، ديدنهم في ذلك أنه من الصعب تشكيل حكومة غيرها، نظراً لسببين رئيسيين أولهما يتمثل في حالة القبول الداخلي للحكومة، حيث إن الليبيين يتوقون لحكومة واحدة على الأقل حتى في أدنى مستوياتها وحالة السخاء التي انتهجها الدبيبة من خلال إطلاق مشاريع وترفيع مرتبات العاملين بالجهاز الوظيفي للدولة، وهو ما أبعد عنه ولو لبعض الوقت المنافسة الداخلية، أما السبب الثاني فيتمثل في حالة الدعم الدولي الذي تلقته حكومة الوحدة فور تشكيلها واعتراف العواصم اللافت بها.
تأجيل الانتخابات سلاح ذو حدين
لكن شعبية الدبيبة اتجهت نحو الهبوط منذ أن أعلن ترشحه للانتخابات، والذي منعه منه قانون مجلس النواب فضلاً عن تمسكه بالسلطة حتى انتخاب حكومة جديدة، ومن هنا أصبحت الأصوات تتعالى بضرورة إزاحته بل إن البعض اتهمه بعرقلة الانتخابات للبقاء في السلطة، وهو ما فتح الباب أمام خصومه الباحثين له عن عثرة، فقد كان فتحي باشاغا والذي ظل حتى وقت قريب أحد بل أبرز المرشحين، وأول من صعّد خطابه ضد الدبيبة واعتبر أن حكومة الوحدة ستنتهي بانتهاء تاريخ يوم الـ 24 من ديسمبر.
خطوة تصعيدية إضافية
لم يكتفِ باشاغا بالحديث فقط بل توجه إلى بنغازي والتي لم يستطع الدبيبة أن يزورها، والتقى بأبرز قياداتها وهو ما يؤشر إلى أن باشاغا ماضٍ في مسعاه بتشكيل حكومة جديدة، وهو ما حصل عليه نهاية المطاف بعد أن قدّم تشكيلته الوزارية لمجلس النواب الذي منحه الثقة بـ 92 صوتاً من أصل 101 حضروا جلسة التصويت الرسمية.
حكومة الوحدة ترفض
جاء رد حكومة الوحدة سريعاً عبر بيان تداولته منصاتها الإعلامية، حيث رفضت تشكيل الحكومة الجديدة واعتبرت أنه مخالف للاتفاق السياسي، بل إنها بالغت في الرد حد اتهام مجلس النواب بالتزوير، ولم تكتفِ بذلك، فقد أعلنت تمسكها بالسلطة واستمرار العمل في طريق إجراء الانتخابات قبل شهر يونيو القادم وفق قاعدة دستورية ظلت تنادي بها منذ أن صدر قانون انتخاب الرئيس.
تباين داخلي حول حكومة باشاغا
لم تمضِ ساعات على نيل حكومة باشاغا الثقة حتى تباينت المواقف حيالها، فبعض السياسيين اعتبروا أنها الحكومة التوافقية الوحيدة التي تشكلت من خلال اتفاق ليبي ليبي، وعلى رأسهم رئيس الحزب الديمقراطي محمد صوان، فيما رفضها رئيس المجلس الأعلى للدولة الحالي خالد المشري والتي رآها كما الدبيبة في حين اعتبرها سلفه عبد الرحمن السويحلي قفزة في الهواء.
صمت دولي تجاه ما يحدث في ليبيا
يبدو أن العالم منشغل في هذه الأيام بما يحدث في أوكرانيا والتي تشهد حربا طاحنة بعد دخول الروس إليها وتقدمهم حتى مشارف العاصمة كييف، فلم يصدر أي تعليق على أي مستوى من دول العالم، وكأنها ليست ليبيا التي كانت على مدار أكثر من عقد من الزمن الشغل الشاغل للدول وللمنظمات الأممية والإقليمية، حتى إن شعوبهم عرفت تويوة وتندميرة وأم الخنفس، رغم تأكيدات مسؤولين في دول عدة على أن ليبيا على رأس اهتماماتهم، بل حتى أن المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة ستيفاني ويليامز يبدو أنها غطت في سبات عميق، أو أنها ملّت من حديث عن ليبيا التي جابت جميع أرجاءها، أو ربما رأت أن الوقت ليس مناسباً لأي تعليق.
استثناء من القاعدة
لهذه اللحظة فإن الدولة الوحيدة التي رحّبت بمنح الثقة لحكومة باشاغا هي روسيا المنهمكة في أوكرانيا، معلنة استعدادها للتعاون معها من أجل تسريع الحل السياسي في ليبيا، كيف لا وبيان الخارجية الروسية اعتبر أن حكومة باشاغا خطوة مهمة نحو تجاوز الأزمة الطويلة في ليبيا، ويعزو البعض موقف موسكو هذا بسبب انزعاجها ربما من تصريح وزيرة الخارجية والتعاون الدولي نجلاء المنقوش عندما طالبت بوقف الحرب في أوكرانيا، وهو موقف رآه بعض المحللين ليس في مكانه فليبيا لديها من المشاكل ما يغنيها لسنوات إن ظل الحال كما هو.
باشاغا يفاجئ موسكو
لم يمضِ وقت طويل على بيان الخارجية الروسية الداعم لباشاغا، حتى فاجأها الأخير بما لا تريد ولا تحتمل ففي تدوينة له عبر تويتر اعتبر أن الهجوم الروسي على أوكرانيا انتهاك للقانون الدولي، وأن المدنيين يدفعون الثمن، مغازلاً أوروبا بقوله إن ليبيا ملتزمة بدعم واستقرار مصادر الطاقة والأمن في البحر المتوسط.
تبعات الموقف الدولي
منذ أن رحبت موسكو ورفض هو الحرب يبدو أن قدم باشاغا زلت في أول صعود له على سلم العلاقات الدولية، فموقفه من الحرب شابه موقف حكومة الوحدة كثيرا، وهو ما لا تريده روسيا التي ربما كانت خطوتها تهدف لاستقطاب الموقف الليبي ناحيتها، وربما أراد هو أن يقول أن مواقف ليبيا من أوروبا وأميركا ثابتة رغم تغير الحكومات، فإلى أي مدى سارع باشاغا بموقفه وهو يدرك تماماً أنه في أمسّ الحاجة لمواقف دولية، قد يكون نجح، فخطوته هذه حتماً ستلاقي قبولاً كبيراً من أطراف دولية كثيرة رغم أنها ستفقده أخرى، فباشاغا بخطوته هذه ربما أراد أن يدخل مقرات حكومة الوحدة من أوسع الأبواب التي طرقها ذات يوم عبد الحميد الدبيبة.