حكمة الآغا خان وصديقه تشرشل..!
حسن المصطفى
“إحدى الحقائق التي علمتني إياها حياتي العامة وأقنعتني بها، هي أن قيمة المساومة تكمن في أنها يمكن أن توفر جسرا عبر فترة صعبة، حيث يمكن استخدام هذا الجسر فيما بعد لإحداث إجراءات إصلاح شاملة ما كانت لتحدث ورفضت في الأصل”.
“المساومة السياسية” بين الخصوم والوصول إلى حلول مشتركة، والتي يتحدث عنها السلطان محمد شاه الحسيني، في كتابه “مذكرات آغا خان”، تعتبر واحدة من سمات هذا الزعيم، الذي اضطلع بمهام غاية في الحساسية، خلال فترة حرجة من حكم التاج البريطاني للهند، وإبان الحرب العالمية الأولى 1914 وما بعدها.
كون الآغا خان الثالث لديه مسؤولية تتمثل بزعامة عدة ملايين من المسلمين يتوزعون في عدد من دول العالم، ويتحدثون بلغات مختلفة، ولديهم عادات وثقافات متنوعة، ولكونه شخصية لا تؤمن بـ”العنف”، ولمعرفته الدقيقة بإمكاناته، وما لدى الآخرين من نقاط ضعف وقوى، كل ذلك جعله ينظر بواقعية تجاه الأحداث من حوله. كما لا يمكن إغفال الجنبة التاريخية في الموضوع، وهو الذي يتحدث في مذكراته عن حبه للقراءة، ما كون لديه رؤية استمدها من تجارب من سبقوه من الزعماء، وتحولت إلى منهج عملي لديه، حيث يقول “أقرُ هنا بأني قد عملت طيلة حياتي على أساس المبدأ القائل بأن التسوية هي أفضل من الخلاف المتصلب، الذي لا يؤدي إلى شيء”.
هذه “العقلية المرنة” التي تحلى بها الآغا خان الثالث، جعلته يلعب أدوارا مهمة. ومنها أن الملك جورج الخامس أرسل إليه في العام 1905 أكثر من رسالة “يحثني فيها ويشجعني على الاستمرار في جهودي لإيجاد حل للخلافات بين الهندوس والمسلمين، لكي يتسنى لنا عندئذ الاهتمام بالإصلاحات العلمية والاقتصادية والاجتماعية”.
السلطان محمد شاه، ربطته صداقة لأكثر من نصف قرن بالسير ونستون تشرشل، كان مما ميز نظرة الرجلين خلالها “الواقعية السياسية”، والتي كتب عنها الآغا خان أنه “في كل مرة تباحثت فيها مع السير ونستون في الأمور السياسية، كنت أتأثر مجددا بالواقعية العملية الخارقة للعادة التي تتميز بها نظرته إلى الأمور. فهو ليس عبدا لأفكاره السابقة، ولا لرغباته وأحلامه قط، بل هو سيدها”.
تشرشل في هذا الصدد، قال ذات مرة لصديقه إن “نصف رغيف أفضل من لا شيء!” عندما تقبل السير “حقيقة أنه على الهند البقاء ضمن الكومونولث كجمهورية بشروطها الخاصة”.
لم يكن الآغا خان زعيما ضعيفا، ولم تنقص السير تشرشل القوة، لكنها الحكمة التي لا تكتمل السياسة دونها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة “الرياض” السعودية