حفتر يمتلك اليد العليا بالصراع على السلطة في ليبيا
جوف بورتر*
ترجمة خاصة لقناة (218)
تخيل صراعا خفيفا متعدد الأطراف، يمتد على مدى حوالي خمس سنوات. أحيانا يتقدم هذا الفصيل. أحيانا ذاك. أو ربما جماعة ثالثة أو رابعة. ثم تخيل هدنة بين جماعتين من هذه الجماعات العديدة المتصارعة. تقدُّم، أنت ترى. خطوة أولى باتجاه المصالحة النهائية بين كل الجماعات. السلام سيتحقق، بكل تأكيد.
ولكن يتضح أن الهدنة كانت بين جماعتين غير متحاربتين، وأن أحد طرفي اتفاق وقف إطلاق النار ليس جماعة على الإطلاق – إنه فكرة برئيس صوري. في الواقع، إنه حتى لا يمتلك أسلحة ليوقف نيرانها. الطرف الثاني في الهدنة أذعن للاتفاق، فقط، لأن بنودها كانت غامضة بما يكفي لعدم منعه من أن يفعل أي شيء يرغب فيه. أية مهزلة، تقول.
لكن ثمة ما هو أسوأ، لأن الهدنة التي وقعت من قبل السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني التي تمت بوساطة أممية، والمشير الركن خليفة حفتر قائد الجيش الوطني، بحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 25 يوليو 2017، أدت، نهاية المطاف، إلى دعم جنرال ذي “طموح دكتاتوري”. أحد طرفي اتفاق وقف إطلاق النار، السراج وحكومة الوفاق الوطني، لا سلطة له في ليبيا. فالسراج بالكاد يستطيع التنقل داخل طرابلس، ناهيك عن التنقل عبر البلاد. حكومة الوفاق الوطني لا تمتلك قدرات عسكرية وهي مضطرة إلى الاعتماد على مليشيات محلية داعمة لها، على الأقل حتى الآن، لكن ليست لها عليها أية سلطة.
الطرف المقابل للسراج، الجيش الوطني الليبي، الذي يمتلك قوة عسكرية كبيرة، أكد أن وقف إطلاق النار ترك الباب مفتوحا للاستمرار في القيام بعمليات مكافحة الإرهاب. قائد الجيش الوطني، خليفة حفتر، يصم كل من يعارضه بأنه إرهابي، بغض النظر عما إذا كانوا أو لم يكونوا إرهابيين. استثناء محاربة الإرهاب من اتفاق وقف إطلاق النار يجعل هذا الاتفاق لا معنى له بالنسبة إلى حفتر. هذا يماثل كما لو قال أنه سيوافق على التوقف عن أكل لحم الخنزير مع استثناء مشتقاته. ليس لهذا أي معنى.
ولكنْ، بالتأكيد، الرجلان يعرفان أن الاتفاق كان إشارة خادعة لا يمكن تطبيقها في ليبيا نفسها. لماذا ذهبا إلى باريس، إذن؟. لماذا وافقا عليها؟.
ليس أمام السراج خيار آخر. فلقد رتب الرئيس ماكرون للقاء ليُرأس من قبل غسان سلامة، الرئيس الجديد لبعثة هيئة الأمم المتحدة لدعم ليبيا. لقاء باريس سيكون أول ظهور للسيد سلامة. وبما أن السراج يرى أنه مدين بوضعه في حكومة ظهرت إلى الوجود من خلال مفاوضات قادتها هيئة الأمم المتحدة في ديسمبر 2015 ومدعومة بشكل كبير من قبلها منذ ذلك الوقت، كان عليه إذن أن يحضر. إضافة إلى ذلك، إذا ما أراد السيد سلامة لهذا اللقاء أن يسفر عن شيء، فعلى السراج القبول بهذا الشيء مهما كان. لن يكون أمرا حسنا أن تمنى أول مبادرة للسيد سلامة بالإخفاق. وعليه وافق السراج على اتفاق وقف لإطلاق النار مع طرف لا يدخل معه في صراع مباشر،واحتوى الاتفاق لغة لا تقيد استخدام نظيره للقوة، وهو اتفاق تقريبا لا يمكن تطبيقه في ليبيا.
أما بالنسبة إلى حفتر فهو يبحث دائما عن فرص لتلميع أوراقه عالميا. الاحتفاء به في باريس من قبل الرئيس الفرنسي أدى إلى تقديمه كرجل دولة أكثر منه رجلا قويا طموحا مثلما هو عليه الآن بفاعلية. في ما يخص حفتر ليس ثمة إخفاق. فإما أنه ذهب إلى باريس ليعود باتفاق يناسبه، أو يفشل في التوصل إلى اتفاق، وهذا يجعله محتفظا بالقدرة على إظهار أنه كان يفاوض السراج – رأس الدولة في ليبيا ظاهريا – والرئيس الفرنسي الكارزمي، ولكن لا يحظى بشعبية.
الاتفاق بين السراج وحفتر احتوى أيضا تعهدا بإجراء انتخابات بداية 2018. بالنسبة إلى السراج هذا شيء عليه أن يفعله لأنه لم يُنتخب شعبيا، وإنما أتته القيادة نتيجة مفاوضات معقدة وطويلة على الشواطيء الأطلسية للمغرب. وفي الواقع فإن الوثيقة الناشئة عن مفاوضات المغرب وأدت إلى تمتع السراج بالقيادة تشترط أن ليبيا ستجري انتخابات تشريعية بعد 24 شهرا من قيام حكومة الوفاق الوطني. السراج تسلل إلى ليبيا في جنح الليل على متن سفينة إيطالية في مارس 2016. وهذا يعني أن الانتخابات ستكون في مارس 2018.
بالنسبة إلى حفتر الالتزام بالانتخابات لا يشكل إزعاجا. إذا ما أجريت الانتخابات فمن المرجح أنها ستغرق في كل أنواع التجاوزات من مثل انتحال الشخصية وإضافة أوراق انتخابية والمقاطعة من قبل كتل مختلفة وامتناع ناخبين من الذهاب للإدلاء بأصواتهم بسبب اضطراب الوضع الأمني. وأخذا في الاعتبار سيطرة حفتر على قطعة واسعة من الأرض الليبية فمن المرجح أن يدلي الناخبون هناك بأصواتهم لصالح حفتر. في ما يخص المجتمع الدولي، فليس على حفتر أن يربح في انتخابات حرة، وليس عليه أن يربح في انتخابات عادلة.كل ما عليه أن يفعله هو أن يربح، وسوف يحوز هالة ديموقراطية كافية لأن تضفي عليه الشرعية لدى واشنطن وباريس وبروكسل وروما، ناهيك عن القاهرة وأبو ظبي والرياض.
من جانب آخر، إذا لم تُجرَ الانتخابات، فإن حكومة الوفاق الوطني ستعتبر غير شرعية إلى جانب المؤسستين السياسيتين الأخريين غير الشرعيتين، بقايا المؤتمر الوطني العام، الذي صار يسمى حكومة الإنقاذ الوطني، ومجلس النواب. فترة المؤتمر الوطني العام وحكومة الإنقاذ انتهت في 2014. وانتهت فترة مجلس النواب في 2015. وإذا انتهت فترة حكومة الوفاق الوطني في مارس 2018 دون إجراء انتخابات، فهذا سيترك المشير الركن حفتر القوة الأكبر في ليبيا (والأكثر تحملا) دون أي منافس.
المعارضة الليبية لصعود حفتر متمترسة بشكل جيد. فهو لديه عدم تسامح مع أي أحد لا يفكر مثله – بمن في ذلك الذين لديهم ميل خفيف إلى الإسلاميين. ولقد أظهر ميلا للسيطرة العسكرية على الرسميين المنتخبين شعبيا، فارضا جنرالاته وضباطه على المدن الواقعة تحت سيطرته. كما أظهر استهانة بسيادة القانون، بما في ذلك حماية أحد ضباطه المطلوب من محكمة العدل الدولية لارتكابه جرائم حرب.
إلا أن الرئيس ماكرون، في تطلعه إلى كسب بعض النقاط في السياسة الخارجية، بينما تنخفض معدلات شعبيته في الداخل، قد يكون دفع، دون وعي منه، بحفتر إلى موقع أقرب من السلطة.
* د. جوف د. بورتر مؤسس ورئيس مستشارية مخاطر شمال أفريقيا، وشركة استشارات المخاطر الأمنية والسياسية متخصصة في الصناعات الاستخراجية بشمال أفريقيا. إضافة إلى ذلك هو أستاذ مساعد بمركز مكافحة الإرهاب التابع إلى أكاديمية الجيش الأمريكي في وست بوينت.