حشرجة الصفصاف
عمر أبو القاسم الككلي
شكل اختراع الفأس ذي السلاح المعدني والمقبض الخشبي القصير، ثورة في مجال التحطيب، فلم يعد على المرء جمع الأغصان الساقطة الجافة ولا إتعاب يديه في نزعها من الشجرة، إذ أصبح بمقدوره، بفضل هذا الاختراع، إسقاط شجرة، تقف شامخة متأبية، بكاملها، في وقت وجيز، وتركها تيبس لاستخدامها وقودا، فاختراع هذه الفأس قلل الوقت والجهد المبذولين لتهيئة الطعام !
بهذا يكون الإنسان قد اخترع سلاحا يكسر مهابة الشجرة وعجرفتها، وإن شئت، يهين كرامتها.
أنا تربيت حوالي السنوات السبع الأولى من عمري في منطقة “زياتين” ترعاها أسرتي، ولا تملكها، ولم أشهد، حينها، شجرة يتوغل المنشار في جذعها، أو يُقطِّع الفأس لحم أسفل ساقها كي تنهار. وإنما كانت الأشجار “تُحْلق” وتشذب بنزع بعض الأغصان منها بمنشار صغير لتصبح قادرة على غلِّ كمية أكبر.
أول مرة رأيت فيها أشجارا سامقة تنهار كانت وعمري حوالي إحدى أو اثنتي عشرة سنة. كنا نقيم في مزرعة برتقال تنتشر على بعض أجزائها أشجار السرول، أو الصفصاف، تقع بمنطقة الفرناج شرقي طرابلس، تملكها عجوز إيطالية كنا نعرفها باسم الكونتيسة. كان مدير أعمالها رجلاً إيطالياً طويل الأنف بشكل لافت اسمه مينتا، وكان يأتي في سيارة لاندروفر تابعة لهيئة الأمم المتحدة (تتبع منظمة الأغذية والزراعة، الفاو). أي أنه كان يستخدم سيارة العمل في الشؤون الخاصة.
سنة 1965، تقريبا، ابتاع المزرعة مواطن ليبي، ويبدو أن اهتمامه لم يكن زراعيا يشغله البرتقال، وإنما كان معنيا بالقضاء على الأشجار وتحويل المساحة المنزوعة الشجر إلى مخطط سكني. ولسبب لا أدريه كانت البداية بأشجار السرول، أو الصفصاف.
أشجار الصفصاف عالية ووافرة الفروع والأغصان وتعتبر، قياسا بغيرها، على قدر من الهشاشة، إذ كانت بعض فروعها الكبيرة تنفصم عن الجذع عند هبوب العواصف. إلا أن جذورها قوية وتمتد ساعية نحو مصادر الماء، إلى درجة أن جذور بعض الأشجار القريبة من أحواض الري كانت تخترق جدران الأحواض وتصيبها بالتصدع.
كان الرجال يأتون يوميا حاملين الفؤوس والمناشير ويأخذون في تمزيق لحم أسفل الجذع بالفؤوس إلى أن تتهاوى الشجرة محدثة صوتا قويا، كأنها حيوان جريح يصدر حشرجة الموت.