«حزب الله» والزواج المبكر
حازم الأمين
السجال اللبناني الذي أثاره حديث الأمين العام لـ «حزب الله» عن الزواج المبكر، وحضّه عليه، يكشف أن الحزب كان نجح في وضع نفسه خارج دائرة شكوك «علمانيين» حيال حقيقة أنه حزب ديني، وهذا أغرب ما في هذا النقاش. هناك ملاحظة أخرى غريبة أيضاً، وهي ما أشار إليه مُستَهْولي كلام نصر الله لجهة صمت حلفائه «العلمانيين» من سياسيين وكتّاب وصحافيين على كلامه الرجعي هذا، ومرة أخرى يبدو أن المُستَهْوِلين كانوا أيضاً يعتقدون أن بين حلفاء نصر الله اللبنانيين وغير اللبنانيين، علمانيين!
حزب الله قاتل إسرائيل بصفته حزباً دينياً (المقاومة الإسلامية)، ويقاتل في سورية اليوم بصفته هذه (حماية المراقد الدينية). وهو يترشح للانتخابات النيابية مستعيناً بـ «تكليف شرعي»، ويلتزم نوابه ووزراؤه الفتوى الإيرانية التي تُحرم لبس ربطة العنق. في مناطق نفوذه المباشرة يُمنع بيع الخمور، وحزبيوه تخلوا عن الحجاب التقليدي لمصلحة نموذج مختلف من الحجاب صُمِّم وفق تصورات الولي الفقيه.
من كان ينتظر من نصر الله أن يكون ضد الزواج المبكر، لم يلاحظ كل هذه المظاهر والحقائق، أما من أراد أن يُساجله في الزواج المبكّر لينفذ من ذلك إلى أنه على رأس حزب رجعي فقد تأخر كثيراً، فما سيخلص إليه لا يُنكره الحزب. نعم هو حزب رجعي، ذاك أنه يطمح لبعث عصور منصرمة يعتقد الحزب، بداهة، أن المستقبل يجب أن يكون كما كانت عليه.
وثمة نموذج ثالث من مساجلي نصر الله، أي أولئك الذين يُناصبونه خصومة مذهبية، وهؤلاء ليسوا ضد الزواج المبكر، وهم صمتوا، لا بل تواطأوا مع الحزب عندما طُرح قانون حماية المرأة من العنف الأسري، في البرلمان اللبناني. ففي حينه وقف «حزب الله» و «تيار المستقبل» وقفة «الرجل الواحد» وصمت المسيحيون لأنهم «لا يريدون أن يتدخّلوا في شؤون الطوائف الأخرى» وانتبهوا متأخرين أن القانون المعدّل يشملهم.
والحال أن ثمة من يتوهّم أن «حزب الله» «حزب ثوري» يمكنه أن يتجاوز حدود النص الديني لمصلحة «الثورة» ولمصلحة «القضية»، وهذا اعتقاد فيه من انعدام الصواب ما يفوق عدد الكلمات التي صاغته. فـ «حزب الله» حزب سلطة قبل أي شيء آخر، وهو بالدرجة الثانية حزب ديني مقيّد بنص وبولاية فقيه صارمة، وهو إلى هذا وذاك، حزب مذهبي يتقدّم الهم الطقسي عنده أي همّ آخر. ولهذا ينطوي سجال المفجوعين برجعية السيد على اعتقاد أن الحزب، وبما أنه «يقاتل إسرائيل» فهو حكماً ضد الزواج المبكر، وهؤلاء لم ينتبهوا إلى أن أول من أرسل متطوعين من مصر إلى غزة للقتال في عام 1948 كان مرشد الإخوان المسلمين المصريين حسن البنا. أما أن الحزب يقاتل «داعش» والتكفيريين في سورية، وهو أمر يحتاج إلى الكثير من التدقيق، فهو يقاتلهم بصفته الدينية أيضاً. كل هذا لا ينفي أن استهوال كلام نصر الله ينطوي أيضاً على حقيقة نجاح «حزب الله» في رسم صورة مختلفة عن نفسه، وتسويقها، وما جرى في أعقاب كلام الأمين العام لم يكن سوى صدمة ناجمة عن خيبة أصابت من تمكّن الحزب من إيهامه بأنه يشبه «حزب الخضر الألماني» في انحيازه إلى الأقليات الجنسية.
الماكينة الاجتماعية لمجتمع الحزب تنشر قيماً لا يعرف اللبنانيون الآخرون عنها شيئاً، ففجأة كنا نُدهش من شعار للحزب عُلّق على جدار من نوع «حجابك أختي أفضل من شهادتي»، وهو شعار دال على صعيد تقييم موقع الحزب من «الثورة» ومن «سلطة النص»، وهذه الأخيرة صارت سلطة زمنية أيضاً. فالحجاب بصفته صورة عن سلطة النص يتقدّم على «الشهادة» بصفتها ذروة «الثورة». ومع قليل من التكثيف، نصل إلى أن وظيفة «الشهادة» جعل الحجاب شعيرة الدولة المُشتهاة. فلماذا إذاً يُستثنى الزواج المبكّر من هذه المنظومة؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة “الحياة” اللندنية