حب في المنفى: قصة جلال وليلى في ليبيا
تحت عنوان “حب في المنفى”، قدّم موقع مهاجر نيوز المختص بملف الهجرة غير القانونية، مجموعة قصص لمهاجرين عاشوا قصص الحب، في رحلة عبورهم من أوطانهم إلى الملاذات الآمنة التي يبحثو عنها.
ومن بين القصص، قصة جلال وليلى، الذين التقيا في ليبيا، بعد معاناة مريرة عاشوها مع بقية المهاجرين غير القانونين، بدأت فصولها من مدينة الكفرة.
وهُنا ننشر لكم القصة كاملة، وفقا لموقع مهاجر نيوز:
“اسمي جلال، أبلغ 24 عاماً، قدمت من الصومال إلى ليبيا. كنت دائم الالتزام بتعليمات المهربين، ولكن منذ دخلت عن طريق السودان إلى مدينة الكُفرة في ليبيا، تم اقتيادي مع آخرين إلى قرية تزوربا. وضعت في مخزن في القرية، تحت الأرض. كنا ثلاثة، ليلى كانت بيننا. لم أدرك كم من الوقت سنقبع داخل المخزن، لم أتكلم مع أحد حينها. شيئاً فشيئاً بات عددنا يكبر حتى غدونا أكثر من 120 شخصاً داخل المخزن.
لا نور ولا هواء. لم نكن نعلم عن العالم العلوي إلا أن ثلاثة مهربين يأتوننا منه، يضربون بعضاً منّا، يغتصبون نساء ويتطاولون على الجميع وينتهون بتوزيع وجبة طعام “معكرونة وماء” لم تتغير طوال ستة أشهر، ولا حتى بعد أن مات أكثر من 20 شخصاً.
كنا نعتاد على الحياة السفلية المهينة، كنا سجناء مختلفين. لكل منا قصة وأسلوب حياة وسبب ودافع، لكن مع ذلك كنا ضعفاء عدا ليلى. لم يتمكن أحد من الاقتراب منها. كانت تحمل أملاً ما يحاول الجميع معرفة سره. كانت تصلي وتصوم دائماً، حتى السماسرة حينما يدخلون لا يقتربون منها. في الشهر الأول أعجبتني طاقتها في المكان البائس، حاولت التعرف عليها ومحادثتها، كنت أحادث الحزانى، والفرحين واللامباليين وأحادثها.
كانت مختلفة عن الجميع، شعرت معها بالطمأنينة الخالصة. كانت تحكي لي عن الأحلام. اقتربنا من بعضنا، وروت لي ما الذي سنصنعه حينما نخرج. كانت متأكدة من الخروج والخلاص. كانت تجذبني إلى عالمها فأصدق ما تقوله، إلى أن جاء يوم أخبرتها عن نيتي الزواج بها، أريد أن نبقى سوياً مدى الحياة. كنا مختطفين داخل مستودع في ليبيا، هناك قررت طلبها للزواج.
كان علينا أولاً إيجاد طريقة شرعية للزواج، وثانياً محاولة الاتصال بالصومال، هناك أمها، الفرد الوحيد المتبقي من عائلتها.
استطعنا تدبر هاتف والاتصال بأمها، تلقينا المساعدة وبات الكل مشغول بنا وكأننا أمل الجميع.
في النهاية وبعد تشويش الخط وصعوبة القول وأيام من المحاولة، علمت أمها بالأمر وباركت لنا. بعدها، كان لا بد من المهمة الأكبر، عملية البحث “داخل العالم السفلي” عن أحد بإمكانه تزويجنا.
شعرت فجأة أنني في عالم آخر. انتقلت معها لشيء أبعد بكثير عن الواقع الذي كنا نعيشه كلنا سوياً. كنا فعلاً نبحث عن أحد يزوجنا لنضمن مستقبلنا سوياً، مع العلم أننا لم نمتلك أدنى فكرة كيف ومتى سنخرج. وجدنا في عالمنا السفلي رجلا صوماليا مهاجرا مثلنا، إلا أنه شيخ. سارعت بطلب الأمر منه ووافق، ونظمنا زواجاً شرعياً لربما هو الأول من نوعه في ذاك المكان. تزوجت أنا وليلى وبتنا سوياً وقطعنا عهدا على أنفسنا بذلك.
بقينا نعيش على الحلم، نقتات على أمل الخروج وما الذي سنحققه فيما بعد. هي تحب أن تكون ممرضة وانا أحب إكمال دراستي في هندسة المعلوماتية. تحدثنا عن مستقبلنا، عن منزلنا، عن الأولاد، عن كل ما يمكن تخيله هناك في الأسفل. لا داع لدخول الشمس، كنا نراها، أنا وهي فقط.
“كنت آمل أنها لم تمت”
بعد مرور شهرين على زواجنا، عرفنا أن المهربين اختلفوا، وسيتم إجبار جزء منا على الذهاب إلى مكان آخر. أنا بطبيعتي أكره الظلم ضد أي إنسان، وكنت كثير التدخل فيما اعتبره المهربون ليس من شأني. إثر الخلاف بينهم، دخلوا كعادتهم، ضربوا بعضاً من الشباب وكنت من بينهم. ضربت بالحديد وخارت قواي ولم أكن أتمكن حتى من الكلام. ليلى كانت من ضمن المجموعة التي اقتيدت في أربع سيارات إلى وجهة مجهولة. لم أتمكن من الوقوف بوجه أحد. وأعتقد أنه تم بيعنا للمرة الثانية.
بعد عشرة أيام استطعت الكلام واستعدت عافيتي، ما كنت أدركه هو فكرة واحدة فقط لا غير تدور في رأسي، وتأكلني. لا بد من طريقة للخروج. قلت لمن معي إما أن نعيش بكرامة أو نبقى هنا ندافع عن حقنا في الحياة. علمت أنه قرار واحد، وكان لا بد أن أبحث عن ليلى. كنت آمل أنها لم تمت.
اتفق الكثيرون منا على الهرب، الخطة كانت بسيطة ومخيفة.. ما إن يدخل المهربون الثلاثة أو الأربعة حتى ننهال عليهم بالضرب ونهرب، عددنا أكبر من عددهم على كل حال، من معي؟ سألتهم. وافق 100 شخص، وفعلاً هذا ما حصل.
أذكر الذهول يأكل وجه الناظرين إلينا. جمهرة من الأموات خرجوا من اللامكان. يمشون في القرية الصغيرة متجهين إلى المسجد، كنا نحج باتجاه المسجد فهناك الخلاص، خلاصنا.
ساعدنا السكان والجيش والجميع، ووصلنا جميعاً بالطائرة إلى طرابلس. اتجهنا إلى مركز المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ليتم تسجيلنا كلاجئين. كنت أمشي باتجاه المبنى وأعتقد أنه كان بجانبه مكان لحجز النساء.
لقاء للمرة الأولى في وضح النهار
كانت جالسة تنظر وكأنها تعلم أني قادم، بدأت خطواتي تتسارع حين رأيتها ومن ثم ركضت باتجاهها وحضنتها، وجدت ليلى.
قالت لي إن مشكلة أخرى واجهها المهربون أثناء اختطافهم، مكنتهم من الهرب والوصول إلى طرابلس حيث سجلت كلاجئة وأخبرت المسؤولين أنني مفقود.
بقينا في طرابلس لمدة من الوقت، أراها يومين بالأسبوع فهي أيضاً كانت محتجزة في بناء النساء، ولكن كانت الأمور على ما يرام، أي شيء أفضل مما كنا فيه. تم بعدها نقلنا سويا كعائلة إلى مركز عبور في النيجر، ومن هناك إلى فرنسا.
مضى على وجودنا هنا قرابة ثلاثة أشهر، حياتنا جيدة فأحلامنا لاتزال في صباها وسنحققها سوياً، وسنرزق بطفلنا الأول بعد فترة، فزوجتي حامل.”
*تم استخدام أسماء مستعارة حفاظا على هوية أصحاب القصة