جداريات “ندى”
ليبيا إدريس
(غير تهدي النفوس وتوقف الحرب وانا نرسم ونلون جدران ليبية من الحد للحد) تقول الرسامة الليبية المقيمة بأمريكا (ندي قليوان) ؛ والتي انتهت مؤخرًا من رسم أول جرافيتي لها على جدران لوس أنجيلوس، بدعم وإشراف الولاية. دخلت ندي عالم الرسم على الجدران (الجرافيتي) من أوسع أبوابه بلوحة (وجوه ملونة) والتي عاشت خلال تنفيذها أجواء ممتعة بعد أشهر الحجر المنزلي بسبب جائحة كورونا (حسيت أني حطيت بصمة من طرابلس على جدران لوس أنجيلوس ، وين مانعيش، كانوا الناس يوقفوا على يلونوا معايا ويساعدوني، وطبعا يسألونني أنت من وين، وهذي كانت فرصتي أنني نحكيلهم على ليبيا والفنانين الليبيين).
جرافيتي (وجوه ملونة) والذي حصد تغطية إعلامية جيدة من وسائل إعلام ليبية وعربية فخرا بندي، لم يعرفنا عليها، فكل من هو مهتم بالرسم التشكيلي والنحت في ليبيا، كل من مر على دار الفقيه حسن، كل من زار كلية الفنون والإعلام بطرابلس؛ سمع عن ندى ووقف عند أعمالها الباقية في ليبيا رغم هجرتها عنها. لاتقف ندي عند الارقام ولا تحسب الانجازات، فعلى سبيل المثال هي لا تذكر متي اكتشفت شغفها واطلقت العنان لموهبتها، تقول: (الي نعرفه اني من صغري نرسم في عيلتي واصحابي والكرتون، طول عمري نرسم في أي حاجة تقابلني) ، ولا أتذكر عدد المعارض الفردية والجماعية التي أقمتها بين ليبيا وتركيا وامريكا؛ (حتي في فترة كورونا ماوقفتش عن عرض اعمالي وبيعهم وشاركت في معرضين أون لاين، كنت سعيدة بالتجربة وبفكرة أنه بدل ما 50 واحد يجيك للمعرض يجو الآفات يحضروا اون لاين، فكرة أن الفن متاح للكل جميلة جدا، لكن لا شيء يضاهي تواصلي الشخصي مع شخص قطع تذكرة وخذا من وقته وجا حضر معرض تقليدي ليا، هذا بالنسبة ليا اعتراف بقيمة عملي، هذا الفرق بين خمسة او ستة يجو يحضروا معرض ولا خمسة ستة مليون يشوفوا معرض اون لاين).
هاجرت ندي من ليبيا منذ عشر سنوات، بعد أن أنهت دراستها بكلية الفنون والإعلام تخصص حفر وطباعة، أو ما يعرف في يومنا هذا بالجرافيك. حكت لي ندي مطولا عن هذه التجربة (اربع سنين الدراسة كانوا أجمل سنين في حياتي، كليتنا كانت غنية بكوادر تعليمية وعقول شابة خلاقة، حقيقةً كنت أحس بالانتماء، كان عندنا مكتبة وكان فيه ناس تقرا وتتعلم من بعض وتعلم في بعض، لو نبي نكتب عليهم ح ندير كتاب اذا مش مجلد عن كلية الفنون) ، طبعًا “ندى” لم تتجه بشكل مباشر إلى كلية الفنون والاعلام بعد حصولها على الثانوية، بل هي حتى لم تكن على دراية بوجود كلية متخصصة بالفنون. حيث درست ندي بداية في كلية طب الأسنان لسنتين، تقول ندى: (واحدة من مواد طب الأسنان هي مادة رسم وتجسيم السن البشرية، وأنا كنت أشطر وحدة في المادة هذه، كنت نرسم لروحي وللدفعة كلها. صراحة دراسة الطب أكدت لي أني أنا أشوف في كل ما حولي بعين الرسام والنحات، أنا حتى في مادة التشريح كنت نوقف عند جمال قدرة الخالق في تصوير الجسم الإنساني بهذا الشكل) . شكلت حصة التشريح التي حكت عنها ندي هنا نقطة التحول، فحينها غادرت ندى كلية الطب إلى الأبد وتوجهت إلى شغفها واعتبرت مرحلة دراستها بالطب مجرد محطة، انطلقت منها لكلية الفنون.
مما لا شك فيه أن الموهبة (هدية الله) الممنوحة لبعض بني البشر و هي الركيزة الأولي لنجاح ندي، التي ذكرت دون تردد إن الفضل فيما وصلت له من بعد الله لوالدها الذي لم يدخر جهدًا وكان لها مصدر دعم لا ينضب ويتجدد كل يوم ويدفعها للمضي، ليس هذا فحسب بل كان أيضًا واقعيا حين طرح ذلك السؤال الوجودي: (باهي سيبتي الطب، شن تبي أديري؟ الرسم هواية مايأكلش عيش ؟!) حكت لنا ندي أنها بعد هجرتها أدركت مدي صعوبة الإجابة على هذا السؤال، تقول ندى (فبالإضافة إلي الموهبة تحتاج إلي تسخير الوقت للمحاولة والممارسة والدراسة والبحث لإثبات نفسك، وليس مقابل ما يجني من هذا الجهد الحصاد المادي المتوقع، ولا الكافي ) ، لذلك عملت ندي وعملت لتعيش كما يجب ولتصرف علي موهبتها كما تحب (أنا خدمت كل حاجة في أمريكا بيش نسند روحي ، ونقدر على دفع الإيجارات وتوفير مقومات الحياة، لكن من غير ما ننسي طموحي وشغفي، نتمنى في القريب العاجل أني نوصل لموازنة تجعل من فني مصدرا لرزقي وشغلي الشاغل).
تتعد مواهب “ندى”، فهي تعزف البيانو (سماعيا) بمعني أنها لا تقرأ النوتة الموسيقية، وهذا منذ صغرها ، تردف: (مانعرفش كيف، بس لما تعجبني موسيقي نقدر نعزفها من دون نوتة، لان تجاربي في تعلم النوتة الموسيقية لم تنته بالنجاح، فالموضوع معقد) ، ندى بالإضافة مواهبها الفنية أديبة وتكتب الشعر: (أنا كنت نكتب في مذكراتي في الثانوي، قصص حب وقصص معاناة المراهقين، تطور هذا في الجامعة حين بدأت كتابة مشاعر أو خواطر سمها ما شئت، لبعض الوقت لم تصدق حتي صديقاتي المقربات أن هذه الكتابات من صنعي)، وعن مصادر شحن قلمها وريشتها ومصدر إلهامها تقول ندي: (الناس، الناس هم مصدر إلهامي؛ وجه نشوفه في الشارع، صوت نسمعه في الراديو، قصة نقرا عليها في الجريدة، قصص أصحابي وعيلتي ! هذا الي نكتب عليه، وعنه ونرسم فيه ونعزف منه) ، الإلهام يغذي الموهبة والثقافة تفتح آفاق الروح علي التجارب الذاتية، تأثرت ندي ببيكاسو، ماتيس، شجال، مايكل انجلو، كما عايشت ومارست وتعلمت على يد قامات ليبية تفتخر بها ، وتذكر على سبيل المثال لا الحصر عياد هاشم، علي العباني، الزويك وغيرهم الكثيرين من المؤثرين في الإرث والأثر للإبداع الفني في ليبيا.