جائزة “الفقيه” للرواية.. مشروع ثقافي تفتقده الساحة الأدبية الليبية
خاص 218
بالشراكة مع منتديات تطوير القطاعات وبرعاية مجموعة “HB”، أعلن موقع الطيوب الثقافي يوم 30 نوفمبر 2020، أسماء الفائزين بجائزة أحمد إبراهيم الفقيه للرواية، في نسختها الأولى، من خلال بثّ مباشر عبر حساب الموقع على منصة “فيس بوك”.
وانطلقت الجائزة في 21 يونيو 2020م، وصل إلى الجائزة 23 مشاركة، من 13 مدينة في ليبيا، اجتازت شروط المشاركة منها 19 مشاركة. ليترشح منها 12 عملاً روائيًا للجائزة، لجنة التقويم ضمّت ” الناقد عبدالحكيم المالكي، والروائية عائشة الأصفر”.
ويقول منسق الجائزة الشاعر رامز النويصري: إطلاق جائزة للرواية الليبية يعني الكثير، فالرواية الليبية تستحق أن يهتم بها. فهي وإن بدأت متأخرة، لكنها استطاعت أن تختصر المسافة وتقدم نماذج وأسماء مميزة عربيًا وعالميًا، وفي السنوات الأخيرة هناك تجارب في الرواية الليبية استطاعت وبقوة أن تفرض نفسها دوليًا، وأن تجترح موضوعات جديدة، وأن ترصد الواقع الليبي وتوثّق له.
وأضاف أن الفكرة في الأساس قديمة، وكانت ثمة محاولة لإطلاق جائزة للشعر والقصة لكن المحاولة باءت بالفشل، لعدم توفر الدعم، لتعود الفكرة من خلال الاجتماعات التحضيرية والتي أسفرت عن الشراكة بين موقع بلد الطيوب وشركة “تاسيلي” من خلال منتديات تطوير القطاعات، حيث تم الاتفاق على مجموعة من المشاريع الثقافية، والتي تضم مجموعة من الجوائز. وتم اختيار أن تكون الانطلاقة مع الرواية الليبية.
وهنا نسأل عن الأسس التي تم بموجبها تقييم الأعمال؟ فيقول: تم العمل من خلال نموذج التقويم وضع بالاشتراك بين عضوي لجنة التقويم، مع ترك المجال لكل عضو في طريقة تقييمه وتفاعله مع النص، خاصة في كتابة التقرير الخاص بكل عمل، التقويم بشكل عام تركز على؛ الفكرة العامة للنص، السرد، اللغة، والحوار.
ويشير رامز النويصري، إلى أن الصعوبة الأساسية التي واجهت الجائزة هي الحصول على الدعم المالي، من خلال راعي لهذه الجائزة، والذي تحقق من خلال مجموعة “HB” برعايتها للنسخة الأولى للجائزة، نأمل أن يتوفر لنا الرعاة لاستمرار الجائزة، وبقية الجوائز التي نستعد لإطلاقها العام القادم بإذن الله، فيما عدا ذلك، بعض الصعوبات في التواصل مع المشاركين وذلك لنقص في علاقتهم بالتقنية، لا أكثر.
وأضاف: حقيقة، لم تجد الجائزة ترحيبا إعلاميا ليبيا فور إطلاقها بالشكل الذي نتمناه، ومع الوقت بدأت المنابر الإعلامية في التفاعل مع الجائزة، وتتواصل بشأن آخر المستجدات.
من ناحيته، أوضح عضو لجنة الجائزة التقييم، الناقد عبد الحكيم المالكي، أن هذه الجائزة شيء مهم ومميز وكان من المفترض أن يتم منذ فترة طويلة.
وقال: الإبداع الليبي يعيش حاليا مخاض كبير وتطور مميز؛ خاصة مع ظهور كُتّاب جدد واستمرار مجموعة من الكتاب القدامى، ففي العام الماضي مثلاً، فاز الروائي عبدالله الغزال بجائزة عربية وترشحت للقائمة القصيرة الروائية عزة رجب، كما ترشحت الروائية عائشة إبراهيم لقائمة جائزة البوكر العربية الطويلة، وفازت الروائية غالية الذرعاني بجائزة الطيب صالح.
وأضاف: هذا التراكم يحتاج إلى جائزة ليبية سنوية لدعم الكتاب وتشجيعهم وللدفع بالعمل الأدبي للمزيد من الإنجاز، أيضًا أعتقد من زاوية أخرى أن الإبداع والثقافة أداة أهملت “وهي مهمة ومركزية” لإعادة السلام والأمن إلى وطننا الحبيب ليبيا التي تعاني من تشظينا واختلافنا”.
ويلفت عبد الحكيم المالكي أن من الميزات التنظيمية في هذه الجائزة أن اللجنة المشرفة قد سلمتنا مجموعة من المعايير للتحكيم وهي في الحقيقة معايير استرشادية، منها الشخصيات والحوار والزمان والمكان والحبكة والموضوع واللغة السردية. وطبعا يظل لكل روائي أسلوبه وطبيعة تعامله مع عالمه الروائي.
حيثيات الجائزة
وبحسب عبد الحكيم المالكي فإن ما يميز رواية “الغارقون في الساقية” للروائي يوسف إبراهيم ما يظهر فيها من قدرته المميزة على جعل الفنتازيا حاضرًا وممكنًا، مع توظيف بعد ساخر ولغة مميزة، كل ذلك لجعلنا نعيش قصة الشخصية الرئيسة المهدي، الرواية في مجملها رواية تأملية فكرية وظفت ما سبق لتقول أشياء عميقة ومميزة.
وأيضًا ما يميز رواية “أم الزين”، للروائية غالية الذرعاني، أنها سحبتنا لعالم الشخصية الرئيسة وهمومها وآلامها وأبعادها النفسية المتوترة وأخذت مع مضي الرواية تسقط شيئا فشيئا جوانب جديدة منها، فكنا نتابعها ونتابع توترات الشخصية والمجتمع الروائي في لحظة ليبية حرجة هي زمن ثورة فبراير 2011، ونتابع التناقض الذي وضعت فيه تلك التعيسة بين عالمها السابق وما تتوهمه من حقيقة آنية، وفي المجمل دخلت بنا غالية الذرعاني، في خضم وعمق الشخصية المعقدة نفسيا مع سرد مميز وتساقط بطيء لخلفيات الرواية.
وتميزت رواية “بر الحبش”، للروائي محمد مفتاح الزروق، بالسرد السهل المميز، حيث جمع ضمن المكانين: بنغازي من جهة وبر الحبش من جهة أخرى، وهو متعدد يضم أوغندا والحبشة وتشاد، شخصياته واحداثهم ومضى يتابع تاريخ بنغازي والمنطقة التي تعيش فيها شخصياته منذ ثلاثينيات القرن الماضي فكان يصور تحولات المكان والشخصيات والأحداث، مع توظيف كم كبير من شخصيات جمعتها بوثقة السرد المميز.
ومن المهم هنا الإشارة لما لدى الروائي من حنكة في التعبير عن الرفض للعسكرة وللحروب التي خاضها الليبيون خارج الوطن بشكل غير مباشر وهو يسرد تاريخ شخصياته، محركًا ذلك كله من خلال الشخصية الرئيسة وحضور البعد التاريخي للصراع السابق في ليبيا وكل الدول التي تضمها تسمية بر الحبش، مع رصد صبور لأوضاع الليبيين في ثمانينيات القرن الماضي.
الغارقون في الساقية
ويقول الفائز بجائزة أحمد إبراهيم الفقيه للرواية يوسف إبراهيم: هذا الفوز يعني أن منحوتتي الفنية جذبت انتباه المحكّمين وقابلت شيئاً ما بحثوا عنه، ويعني أن روائيّاً آخر لديه عمل روائي أجمل لم يتمكن من المشاركة. ويعني أن لديّ بضاعة جيدة لا سوق لها في بلدي.
وتابع ضيفنا: الجائزة تأسيس ثقافي تفتقده الساحة الثقافيّة في ليبيا. فالجائزة في نسختها القادمة ستستحثّ شهوة الكتابة لدى الأدباء وستقدم لهم ما يشبه الضمان بأن أعمالهم ستُنشر، أو على الأقل ستُقرأ كمسودات من لجان تحكيم وهذا، أحيانًا، يكفي الروائي. العمل الروائي شاق ومضنٍ ويستغرق وقتًا وجهدًا في البحث والقراءة والتحرير، لذلك فإن الإقدام على اقتراف جريرة البدء في كتابة رواية محفوف بجبن كبير ويحتاج إلى وقدة تدفع الكاتب إلى التهور والاندفاع لبدء الكتابة، وهذه الوقدة هي الجائزة وأمل النشر.
وأشار الروائي يوسف إبراهيم إلى أن “الغارقون في الساقية” رواية تحتفي بلغتها؛ لكون الرواية لعبة لغوية في الأساس، وكل رواية لا بد أن تقدم لغتها بوصفها جزءاً من عجينتها وليست مجرد وعاء لها، وهي رواية تدعي أنّ أحداثها كانت في النصف الأول من القرن العشرين غير أنها لا تمتّ للتاريخ بصلة إلا بقدر ما للفانتازيا من صلة بالواقع، وتتشابك أحداثها في مدى يبدأ في مقهى الإيطالية توريستا في سوسة “في رواية “من مكة إلى هنا” للنيهوم” ولا ينتهي في دكان حليب مغشوش في فاس، تداخل العلاقات الإنسانية هو جوهرها الأبرز والذي يخفي خلفه رؤية كاتب متروكة لتفاعل القارئ معها بحَسَبه.
أم الزين
وتقول الفائزة بجائزة الطيوب التشجيعية، الروائية غالية الذرعاني، أن جائزة أحمد إبراهيم الفقيه للرواية تحمل الوفاء في منشأها ومضمونها للأدب الليبي ولقامة من قامته، مثل هذه المناشط تسعد الأديب الليبي، كما تسعد كل الليبيين المتطلعين إلى رؤية وجه آخر لليبيا غير وجه النزعات والحروب، أتمنى لهذه الجائزة الاستمرارية، وأن تحظى بالدعم من الدولة والشركات المحلية حتى تصل إلى العالمية، وفي هذه الفرصة أشكر بلد الطيوب وعلى رأسهم أيقونة العمل المخلص والمتواصل الكاتب رامز النويصري.
وتضيف: فوزي بجائزة الطيب صالح العالمية للرواية بمثابة شهادة التخرج في فن الرواية، وجائزة أحمد إبراهيم الفقيه بمثابة الترقية والاستحقاق، وهذا يعني لي الكثير، خاصة مع الملاحظات التي قدمها الأستاذ عبد الحكيم المالكي عن روايتي، شهادة أعتز بها صراحة، وأشكره عليها.
رواية “أم الزين” تبدأ أحداثها في مدينة بنغازي مع بداية فبراير 2011، تحاول فيها الروائية رسم صورة عن تأثير الأحداث السياسية قبل وبعد فبراير على إنسانة عادية لها مطالبها وحاجتها الخاصة، فيها أيضًا انعكاس على البيت الليبي الكبير وكيف أدى الإهمال والوهم إلى خرابه، كتبت الرواية العام 2017 .
بر الحبش
يقول الفائز بجائزة الطيوب التشجيعية الروائي، محمد مفتاح الزروق، إن الرواية الليبية في تطور وباتت تنافس بقوة الرواية في الدول الأخرى وليس أدل على ذلك من وصول عدد من الأسماء إلى مراكز متقدمة في الجوائز الكبرى مع كل ما يشوبها من شكوك.
وأضاف: أتمنى مستقبلاً أن ترتفع قيمة الجائزة وتزداد مساحة الاختيار لإتاحة الفرصة للعديد من الأقلام كما أرجو أن تخصص جائزة للروائيين الشباب.
وأردف: إطلاق جائزة للرواية الليبية دون شك عمل جيد جدا خاصة في ظل هذه الظروف التي يحتاج فيها الناس إلى المصالحة مع أنفسهم قبل كل شيء، ولا أعرف سبيلاً لذلك إلا بالثقافة.
رواية “بر الحبش”، التي كُتبت على مراحل واستغرقت عددًا من السنوات؛ استخدم فيها الروائي محمد مفتاح الزروق الكثير من التقنيات في الأصوات والسرد والشخصيات، وحاول قدر الإمكان الابتعاد عن التقريرية التي تصبح أحيانًا شرًا لا بد منه في الروايات ذات الطابع التاريخي باستخدام “المناجاة والحوار والأنا والخطاب والراوي العليم”.
تتحدث الرواية عن أحد المسنين العائدين من “بر الحبش”، وكيف أثّر ذلك على شخصيته، فهو رغم تعرضه لأقسى التجارب البشرية في زمن الاستعمار الإيطالي، إلا أنه ظلّ بعده يؤمن بحب الجمال ونبذ الظلم والحروب.
ويشاء القدر إلا أن يكرر مأساته ليُساق ابنه إلى أوغندا ويضيع هناك لسنوات، ويشكّل اختفاؤه علامة فارقة في إضاءة التواصل بين الأجيال وتكرارًا للتاريخ لنفسه، وفق الرؤية الشكسبيرية.
الفوز بالنسبة للروائي محمد مفتاح الزروق يكمن في ثلاثة أشياء؛ دعاية مجانية “حيث إن الكثير أهتم بالفائزين ويريدون أن يقرأوا رواياتهم”، تحمل تكلفة الطباعة ومشقة التوزيع، وهي مهمة تثقل كواهل أغلب المبدعين، المشاركة في معارض الكتاب ووصولها إلى الاكاديميين وهو أيضًا مهم جدًا.
وأضاف: أطبع لحساب نفسي عدا مرتين فقط؛ واحدة عن طريق الهيئة العامة للثقافة في 2012 ، والأخرى عن طريق دار الحسام هذا العام.