ثورة النفس الطويل
إسماعيل كمال
لعل المعطيات التي انطلقت بها ثورة ديسمبر في كل المدن السودانية لاقت وعياً لافتاً من كل المحتجين من أبناء الشعب السوداني منذ الإطاحة بالرئيس عمر البشير في أبريل الماضي، فالمظاهرات التي استمرت لعدة أشهر كأن من المأمول لها أن تُظهر تغيراً جذرياً في شكل النظام السوداني، لكنها لاتزال متواصلة للوصول لأهم أهدافها.
الشباب:
انتصار ثورة الشباب العمود الفقري للثورة في المرحلة الأولى من الاحتجاجات الشعبية السودانية وإسقاطه لنظام ظل لثلاثين عاماً يمارس كل القمع والفساد.
الكنداكات:
من يتصدرن الثورة السودانية .. كان لوجودهن أثر كبير وجلي في ميادين الثورة رغم الاعتقالات وتعرضهن للضرب المباشر من قبل قوات الأمن، فنساء وشابات السودان ضربن مثلاً بالمقاومة ولعبن دوراً حيوياً في توثيق التحركات في الشوارع ماجعلهن عرضة للاعتداءات .
كنداكات السودان ساهمن بشكل أساسي إن لم يكن الأبرز في ثورة ديسمبر وجعلن الرجال والشباب يصرون على مواجهة قمع النظام واستخدامه الرصاص الحي في أبرز المظاهرات، فأغلب النساء لايقتصر دورهن على ترديد الشعارات فقط بل تواجدن في المستشفيات الميدانية ورصدن الانتهاكات وقمن بالتوعية والدعوة لها خلال أشهر الثورة رغم عدم توفر المقدرة التنظيمية في بعض الأحيان.
وجود المرأة السودانية بقوة في الاحتجاجات لايحتاج لسبب لفهمه فحكومة البشير استهدفت عمداً المرأة فقرابة 50% منهن يعانين الأمية.
الإصرار رغم الإحباط:
مسار الثورة الذي شاهدناه طيلة اندلاعها منذ ديسمبر 2018 شهد تحولات في المشهد، فميادين وشوارع السودان في كل أرجائها الواسعة، حملت حشداً كبيراً من الثوار لكن العدد تقلص إلى العشرات في بعض الأحيان ومنذ أبريل الماضي كانت شمس الثورة السودانية ورغم سخونتها تحصد وعياً من كل أطياف الشعب لحين البدء باعتصام القيادة العامة لتحقيق مطالب الثورة.
يوماً بعد يوم بدأت القصة تتضح جلياً فالعسكريون استغلوا هيجان الشارع وانكسار شوكة النظام فقاموا بانقلاب فيما بينهم، فالأفضل لهم أن يتخلصوا من شخص واحد فيما بينهم ليستمروا في حكمهم، كما انقلب عمر البشير ونظامه في عام 1989 الذي أوصله إلى الحكم، والدليل أنه إلى الآن لم يكتشف ماهو مصير نظام البشير وأين هم بالتحديد؟
نجاح الثورة لم يكتمل حتى اللحظة فانتفاضة الشباب التي وصلت بهم إلى البقاء لأشهر أمام قيادة الجيش في العاصمة الخرطوم شهدت منحى آخر بعد فض اعتصام القيادة قبل أيام من عيد الفطر، فالعيد في السودان اكتسى بلون الدم.
ما أود قوله أن ثورة الشارع السوداني تختلف عن سابقاتها في المنطقة، فالثورة المصرية استمرت ثمانية عشر يوما، والثورة في تونس الخضراء ظلت متواصلة لـ28 يوما للإطاحة برموز نظام بن علي، لكن الثورة السودانية استمرت قرابة 4 أشهر للإطاحة بالبشير، لذا أحببت أن أسمي الثورة في السودان بانتفاضة النفس الطويل لأنني أعلم بأن كل ثوار السودان سيواصلون المسير نحو دولة “مدنية، ديمقراطية، إرساء العدالة الاجتماعية، الحريات … لتكتمل حينها ثورة النفس الطويل .