تونس وليبيا.. الجيرة الصعبة..!!
تونس – شادي شلالا لا يبدو التعايش بين التونسيين وضيوفهم الليبيين، المقيمين في تونس.. سهلا
وفي غياب الإحصاءات الرسمية، تبين أرقام السفارة الليبية في تونس للعام الماضي، ومصادر في وزارة الداخلية التونسية، أن العدد يتراوح بين المليون ومليون ونصف، من جميع الفئات العمرية، وهو عدد متغير، لا سيما أنه لا يحصي من يعبر الحدود من بن غردان إلى جربة، لقضاء عطلة، تحمله أحيانا إلى العاصمة.
ورغم الحرب في ليبيا، لم تسجل المفوضية العليا للاجئين، التابعة للأمم المتحدة، أي ليبي على لائحة اللجوء في تونس، التي ما تزل تستقبل الليبيين كسائحين.
ويقول رجل أعمال ليبي إن وجوه الشبه بين الليبيين والتونسيين كثيرة، لا سيما لجهة الآنفة وعزة النفس، ويؤكد أن التجربة التي مر بها التونسيون مع الحبيب بورقيبة، وحتى مع بن علي فتحت لهم أبوابا وأغلقت أخرى، فعلى الأقل كان باب التعليم مفتوحا، وكانت غالبية التونسيات والتونسيين يدرسون اللغة الفرنسية والإنجليزية ويعيشون في نظام ينحو بشكل كبير إلى العلمانية، في حين كان مفروضا على جيرانهم الليبيين دراسة الكتاب الأخضر، وكان شبه ممنوع عليهم تعلم اللغات الأجنبية.
وفي حين كان التونسيون يعيشون تجربة حكم تميل نحو القمع أحيانا، غير أنها نجحت بفصل الدين عن الدولة، كانت ليبيا تعيش نوعا “قومجيا” قمعيا من حكم الجماهيرية، غير واضح المعالم، لم تلبث أن خرجت منه، حتى وقعت في فراغ دستوري، وفي حرب اختلط فيها الطابع الخارجي بالاعتبارات الداخلية.
يقول صحفي تونسي، حانق على جيرانه، إنهم لم يبادلوا تونس، التي فتحت أبوابها خلال الثورة الليبية، والتي لا تزال تحتضن أعدادا كبيرة من المعارضين والموالين لهذا الفريق أو ذاك، لم يبادلوها حسن الجيرة والمعاملة.
“هم يستفيدون من الدعم التي توفره الدولة التونسية على عدد كبير من المواد، ويعيشون كأنهم مواطنون تونسيون”، حسب ما يقول.
ويتساءل “لماذا يقولون إننا صدرنا الإرهاب؟ ويحملوننا مسؤولية هذه الكارثة التي يعلمون جيدا أن مكوناتها وأسبابها غير مرتبطة بدولة بذاتها، وأنها لا تفرق بين ضحاياها”.
ويضيف أن أسعار الإيجارات ارتفعت بسببهم بشكل جنوني.
وفي بن غردان، يقول ميلود، الذي عاد من تركيا لإعالة والدته بعد وفاة والده، والذي يعمل في تهريب البنزين على طريق رأس جدير مثله مثل كثيرين، يقول إنه من دون الليبيين والتجارة على الحدود “تموت المنطقة”، فالجنوب، ما عدا جربة، محروم من المشاريع في جميع العهود، والليبيون “مصدر رزقنا الوحيد”، إن كان للسياحة أو التجارة أو التهريب، الذي “يحصل تحت أعين” الشرطة، و”لكل حصته”.
ولكن، وإن كان بعض الليبيين “يتخطون حدودهم” في تونس، كما يقال، إلا أن كثيرين لا ينظرون إلى تونس على كونها “أرض فساد” وهي على ما يبدو الكلمة التي تستفز التونسيين، وخلال مقابلاتي مع عدد من الأشخاص لكتابة هذه السطور التقيت مجموعة من الليبيين تعمل في مجال الإعلام والصحافة، في عيونهم بصيص نظرات رأيتها يوم خرج الليبيون يطالبون بحريتهم.
ومن دون أن ندخل في تحليل العلاقات بين البلدين، وتاريخها، قالت غيداء إن الظروف الاستثنائية تظلم الجميع، تونسيين وليبيين، لكن من غير الجائز أن يتبادل الجميع الاتهامات، ومن غير المنطقي مثلا أن تحمل تونس التقصير الأمني في مكافحة جريمة ما، إلى ليبيا التي تعيش حربا، والتي تحول جزء منها إلى مخيمات تدريب للمتشددين، ولا يجوز أن تحمّل ليبيا تفشي الإرهاب إلى تونس.
وأضافت أنه يجب التعاطي مع المشكلات التي ولدتها الحرب في ليبيا كأزمة حقيقية في المنطقة كلها، وعابرة للحدود، ويجب مساعدة تونس على تحمل الأعباء الاقتصادية الناتجة عنها ومساعدة الليبيين ليتمكنوا أولا من العيش بكرامة، ودفع نفقات تعليم أبنائهم.
ويواجه الطلاب والتلاميذ الليبيون مشكلات كبيرة لجهة الاندماج في المؤسسات التعليمية ومتابع مناهج التعليم في تونس، أولا بسبب اللغة الفرنسية، وثانيا بسبب الظروف الاقتصادية، وارتفاع الأقساط في المدارس والمعاهد الخاصة.
أما عماد، الذي تهجر مرة من تاورغاء، ومرة من بنغازي، فيعاني أيضا التضييق في تونس، ناشط حقوقي يحاول العمل منذ 4 سنوات على إعادة أهالي مدينة تاورغاء إليها، وهو ما توصل إلى اتفاق بشأنه مع أعيان من مصراته، التي لم تنفذ الاتفاق.
التشرد والعيش في المخيمات اعتبره أهالي تاورغاء قدرا، غير أن المخيم الذي كانوا يعيشون فيه في بنغازي تعرض للقصف، وتم إخلاؤه.
ويقول عماد إن العمل في تونس، وإن كان أفضل لجهة الأمن ولقاء ممثلي المؤسسات الدولية، غير أن يوما بعد يوم يتم التضييق على الليبيين من قبل الأمن.
ويضيف أنه يجب اعتماد سياسة إعلامية تخفف من حالة الاحتقان، التي وصلت إلى أدنى مستوياتها خلال الثورة في ليبيا، كأن الجارين شربا آنذاك من الكأس ذاتها.
ولا يغفل ليبيون التقينا بهم التصرفات غير المسؤولة لبعض مواطنيهم، متمنين من التونسيين “اللي نحترمهم ونحبهم” عدم التعميم.
وتقول تقديرات المفوضية العليا للاجئين بتونس إن أكثر من مليون ليبي يعيشون موزعين بين تونس العاصمة، والمدن الأخرى، غالبيتهم من ذوي الدخل المحدود، يتواجدون بأحياء النصر والمنار والبحيرة وقرطاج وسيدي بوسعيد والحمامات، أما العدد الأكبر فيعيش في الأحياء الشعبية والمدن الداخلية، وفي مدينة صفاقس وسوسة وغيرها، لانخفاض إيجارات السكن وأسعار الخدمات المعيشية.
وتقول أرقام وزارة الخارجية التونسية إن حركة الدخول والخروج عند الحدود مع ليبيا عبر معبر راس جدير تشهد يومياً ازدحاماً خانقاً، وتبلغ مدة الانتظار بين 4 إلى 10 ساعات أحياناً، وإنه يحق لليبيين الإقامة في تونس 90 يوما، ما عدا الطلبة والتلاميذ، وهذه حكاية أخرى.. ومعاناة أخرى.
“سكاي عربية”