توطين العِلم وكامل عراب
محمد المفتي
هذا الأسبوع يذكرني بوفاة المرحوم الأديب الليبي في فبراير 2013 ، إبن الرجبــان، كامل عراب.
وقبل أسبوعين خصص شباب مجموعة التنوير حلقة لعرض ومناقشة كتابي “توطين العلم .. أولا” الذي كان قد نشر قبل عقدين. تابعت النقاش على النت.
وسعدت كثيرا لاهتمام أولئك الشباب بالموضوع واحساسهم بأهمية العلم والتقنية كتحدي سيحدد مستقبل ليبيا والشرق الأوسط، خاصة وأن الأنظمة السياسية و المنظومة التعليمية عجزت حتى الآن عن مواكبة التطور العلمي والتقني. ولهذا تبقى مجتمعاتنا ثقافات استهلاكية ، عاجزة حتى عن تصنيع كمامات الوقاية ناهيك عن تطوير لقاحات ضد فيروس الكورونا.
ويستشري العجز لدينا ليشمل العطش الذي أخذ يداهـمنا والصراع الدائر الآن حول سد النهضة الإثيوبي ليس إلا أحــد بوادر حروب المياه. وقد طرحت باستفاضة منذ 1973 هذه القضايا، حتى أن عنوان أحد فصول كتابي الثاني “توطين العلم .. الطموح والواقع” يتساءل :”هل ستكون هناك أمة عربية بعد 30 سنة ؟”. ما علاقة كامل عراب بكتاب يدعو إلى توطين العلم؟ كامل عراب ( 1935 – 2013) وهو الصحفي والقصاص لم ينل من التعليم النظامي – مثل أبناء جيله – إلا القليل، ومثــلـهـم ثابر وعلم نفسه بنفسه وفتحت له الكتب آفاقا واسـعـة، حتى أخـذ مكانـه في الصفوف الأولى بين الآدباء.
وعمل في إدارات الدولة ، وفي منتصف التسعينيات تولى إدارة صندوق تنمية الإبداع الثقافي في آواسط التسعينات. قبل تولي كامل إدارة الصندوق بخمس سنوات قدمت مخطوطة كتاب “توطين العلم أولا” لكن مدير الصندوق آنذاك نظر إلى الغلاف ، وقال “لايهمني ما في الكتاب .. يهمني من ألفه”، ورمى بالمخطـوط في أسفل درج لأن مؤلفه خارج دائرة الثقة والرضى.
حين فتح كامل درج المكتب وجـد المخطوط، استهواه العنوان، وقرأ الكتاب. وشن حملة، دون علمي، لإقناع أصحاب القرار بأن ليس ثمة ما يمنع من نشره. وفعلا طبع وإن لم يحظى إلا بتوزيع محدود. بل واتصل بي ذات مساء بعد صدور الكتاب .. ليـهـنئني ويعتـذر عن تأخر صدوره. رحم الله كامل عراب كان شخصية هادئة .. وديعا مبتسما ، ربما لم يكن صـداميا، لكنه كان صلب القناعات.