تهويل الخطر
عمر أبو القاسم الككلي
كثيرا ما يكون الإحساس بخطر ما مبالغا به، نتيجة عامل الخوف. وكثيرا ما تظهر لنا قوة النظام السياسي الذي يمسك بأعناقنا وينكل بنا أكبر من حجمها الحقيقي بكثير، وأن تمردا صغيرا، حتى وإن تمكنت من قمعه والقضاء عليه، يكشف ضعفها وارتباكها، ويشير إلى أن تمردا أوسع قد يبلبل وضعها ويضعف سلطتها.
فالنظام السياسي الذي يستفزه مقال أو قصة أو قصيدة… لا توافق هواه، فيودع كتابها في السجون أو يعاقبهم بمحاربتهم في رزقهم، وتستفزه نكتة أو تعليق ساخر، هو نظام ضعيف هش، مهما نفخ جسده على غرار ما يفعل القط.
فالقوة تظل مهابة ومحل خوف وخشية، حتى تستخدم، عندها تتضح حدود قوتها وتنكشف ثغراتها. ففي تجارب الاستعمار وحركات التحرر كانت القوى الاستعمارية تضطر إلى الانسحاب، ليس لأن قوات حركة التحرير هزمتها، ولكن لأن حدود قوتها تعرت وأصبح مردود استمرارها في البقاء غير مجز، بالمقارنة مع ما تتعرض له من خسائر.
للقصاص الليبي يوسف الشريف قصة مشهورة في مدونة القصة الليبية ذات صلة ما بهذا السياق. عنوان القصة “الرجل الآخر” من مجموعته الجدار الصادرة سنة 1965.
موضوع القصة أن رجلا بسيطا سائرا في الشارع يلاحظ أن رجلا يتعقبه. وبطبيعة الحال فإن الاستنتاج المباشر أن هذا الرجل الآخر شرطي سري يراقبه. تطول فترة التعقب ويتضايق الرجل البسيط من هذا الوضع، فيقرر، فجأة أن يُقدم على فعل قد يقلب به الموازين. فيرتد باتجاه الرجل الذي يتعقبه، و لدهشته لاحظ أن الرجل الآخر يعود أدراجه حاثا الخطى للابتعاد عنه.
فالفعل الجريء الذي قام به الرجل البسيط كشف هشاشة نفسية هذا الشرطي السري وجعله يتجنب المواجهة المحتملة. القصة هي آخر قصص المجموعة، ولعل يوسف الشريف اختار أن يضعها خاتمة لإشعار القاريء بأن الانتصار ممكن ومهم، بغض النظر عن بساطته.
لي أنا تجربة من نوع آخر، لكنني أعتقد أن لها دلالة في هذا السياق.
كان يتكرر لدي كابوس الحلم بالثعابين!. تظهر الثعابين في أحلامي وتكون قريبة جدا مني، فأمتليء رعبا وانخرط في الصراخ مستغيثا.
لست أدري كيف قررت مرة، في الحلم، ألا أهرب من الثعبان وألا أصرخ. بل عليَّ أن أهاجمه. لم تكن في الأمر شجاعة. كانت العملية أقرب إلى اندفاعة اليائس: أن تموت في مواجهة أفضل من أن تموت وأنت في حالة هروب. لكن حدث أني تغلبت على الثعبان وقتلته، رغم أن سلاحي كان عودا صغيرا قصيرا لا يعول عليه. وبالتالي تم تفكيك شحنة الكابوس.
تكررت المواجهة بيني وبين الثعابين في الأحلام بضع مرات، وفي كل مرة كنت أقضي عليها.
فكفت عن زيارتي في نومي.