تهريب الآثار.. خطر يصادر مخزون ليبيا التاريخي
قطع أثرية حجرية وبرونزية تعود للعهد الروماني ضبطها جهاز الردع لمكافحة الجريمة خلال عملية أمنية شملت ملاحقة عصابة تمتهن تجارة الآثار وتهريبها إلى خارج البلاد، عملية سلطت الضوء على تجارة رائجة تستهدف الإرث الحضاري والمخزون الأثري في الدولة التي تعصف بها تحديات أمنية وسياسية جمة، خاصة في ظل كشف الجهاز عن بطاقات التسجيل الصادرة من مصلحة الآثار لهذه القطع، مما يعني أنها سرقت من متاحف أو مخازن رسمية ولم تكن نتاج عمليات تنقيب وبحث غير قانونية.
شبكات تمتهن تهريب القطع الأثرية سبق للنائب العام ضبط إحداها عقب التحقيق في سرقة إحدى عشرة وثيقة تاريخية مكتوبة بماء الذهب باللغة الآرامية، من قبل مجموعة من المواطنين والوافدين الأجانب الذين عمدوا إلى تشكيل عصابة منظمة لارتكاب جريمة سرقة الآثار الليبية بمختلف صورها والاتجار فيها، في توسع لظاهرة الاتجار بالممتلكات الثقافية والتعدي على الآثار العقارية، في ظل ضعف الحراسة الأمنية التي توكل لموظفين تابعين لمصلحة الآثار.
وتتعدد التهديدات على سلامة المواقع الأثرية في ليبيا، حيث سبق لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو أن أدرجت خمسة من مواقع التراث العالمي الليبية على قائمة الخطر، وهي مدن شحات وغدامس ولبدة وصبراتة، بالإضافة لكهوف ومغارات جبال أكاكوس التي تحوي لوحات ورسومات يعود تاريخها لعشرات الآلاف من السنين، وتعرض بعضها للتشويه المتعمد في اعتداء صارخ على موقع شديد الأهمية على صعيد التأريخ لتطور البشرية.
ووقعت المواقع الأثرية التي تزخر بها البلاد ضحية تعديات ناتجة عن الزحف العمراني، كما هو الحال في آثار شحات التي تستحوذ على مساحة معتبرة في الجبل الأخضر دون وجود حواجز تمنع المواطنين من التمدد المعماري بالقرب منها، بينما تعرضت بعض الشواهد والبيوت الأثرية في مدينة غدامس التي توصف بلؤلؤة الصحراء لاعتداءات معلنة من طرف جماعات دينية متشددة رأت في النقوش والزخارف الأثرية اللصيقة بالثقافة التارقية والتي تزين الأبواب والجدران نوعاً من طلاسم السحر والشعوذة، الأمر الذي دعاهم لتشويه وإزالة بعضها دون أي تدخل من الجهات المعنية.
ووجدت مواقع أثرية أخرى نفسها في مرمى الاشتباكات والنزاعات المسلحة كمدينة صبراتة الأثرية التي تحمل خليطاً فريداً من الآثار النوميدية والرومانية، وأصابها وإن بشكل محدود شظايا ومقذوفات عشوائية قبل أن تستقر المدينة نسبياً، بينما خسرت بنغازي حاضرتها التاريخية بعد أن كانت مسرحاً لمواجهات دامية في وقت سابق مع غياب أعمال الصيانة والترميم، رغم ارتباط بعض معالمها بالذاكرة الليبية الحديثة لبدايات دولة الاستقلال، بالإضافة لاعتداءات قادها تنظيم داعش على مواقع وأضرحة في مدينة درنة قبل مواجهته عسكرياً.
وتنشط عصابات تهريب القطع الأثرية بالشراكة مع أجانب، حيث تعرض القطع الأثرية الليبية المهربة في مزادات علنية ليصبح أمر استعادتها غاية في الصعوبة، خاصة لتلك التي جرى التنقيب عنها بشكل غير قانوني في مواقع عشوائية ولا تمتلك بطاقات تسجيل معتمدة لدى مصلحة الآثار، إلا أن خصوصية بعض المواقع الأثرية في ليبيا وتميزها بطراز فريد قد يساعد أحياناً في معرفة مصدرها وتسهيل عملية استرجاعها، كما هو الحال في القطع الأثرية والرؤوس الحجرية الجنائزية والجرار والقطع الفخارية التي أعادتها الولايات المتحدة لليبيا مطلع الشهر الفائت، بعد أن استخرجت بشكل غير قانوني وشُحنت إلى الولايات المتحدة قبل أن يتعرف عليها علماء آثار تعاونوا مع مكتب المدعي العام في مانهاتن بنيويورك، لتُعاد إلى متاحف مصلحة الآثار في طرابلس.
وتواجه ليبيا خطر غياب الوعي الشعبي بأهمية المواقع والقطع الأثرية وازدهار الفتاوى والرؤى الدينية التي يُروجها بعض المتطرفين والمتعلقة بحرمة الآثار، والتي تطلق يد البعض في تدميرها وإتلافها أو تسويقها للبيع في الخارج، مع تقارير دولية تتحدث عن ضلوع تنظيمات أصولية في بيع القطع الأثرية لاستغلالها في دعم الأنشطة الإرهابية، وهو ما قد يدفع النائب العام والأجهزة الضبطية لفتح تحقيقات أعمق في هذه الظاهرة التي تمتد خيوطها لشبكات جريمة منظمة، تستهدف هوية ومورث ليبيا الحضاري الضارب في عمق التاريخ.