تنزيلات
سمير عطا الله
لست مواطناً مثالياً في لبنان. فأنا أطبّق جميع القوانين ولا أخالف الضوء الأحمر، حتى بعد منتصف الليل والطريق خالية. ولا أرتضي السياسيين السفهاء، ولا أستخدم «الزمور» مرة مع أننا بلد زمامير واعتداءات سَير وأعصاب مهترئة وأخلاق فيها نظر. أحفظ جميع القوانين التي لا يطبّقها أحد. والتي لم يسمع بها أحد. وأتذكر دائما – للحذر والحماية – قول صديقي وعزيزي الرئيس سليم الحص «لبنان ليس شريعة غاب، بل غاب بلا شريعة». وهو أيضاً القائل «في لبنان حريات كثيرة وديمقراطية قليلة».
في التزامي المطلق بالقانون وخوفي المرضي من المخالفة، هناك واجب واحد لا أحترمه دائماً، والله غفور رحيم. إنه واجب الاقتراع. وبسبب عقدتي من الاقتراع في بلاد الأرز، كما كان يسمى، لم أمارس هذا الواجب الأخلاقي حتى في بريطانيا، داعياً لناخبيها بالصحة والسعادة، وللملكة إليزابيث بطول العمر ونعمة الابتسامة الملكية.
هذه الأيام أيام انتخابات في بلدي المحبوب، كما ورد في أغنية أم كلثوم الجميلة «على بلد المحبوب وديني، زاد وجدي، والبعد كاويني». وأنا محاط بالحمى الانتخابية إذا خرجت من المنزل، وإذا صعدت إلى الجبل، وإذا نزلت إلى أجمل وسط مدينة في العالم، وإذا فتحت راديو السيارة، وإذا أدرت التلفزيون لأعرف ما هي آخر جهة تطمر الأكراد بأغصان الزيتون.
ومن الملصقات والإعلانات والإذاعات والسيارات والنشرات، تفهم أن بلدي المحبوب كله راكض خلف مقعد انتخابي. أو شبه مقعد. وتفاجأ، إذا كنت تحب المفاجآت، بأعداء الحرب الأهلية رفاقاً في هذه المعركة، وهذا شيء حسن. لكن ما ليس حسناً رفاق الأمس أعداء اليوم. وهناك نوع ثالث من المخلوقات الانتخابية وهو الذي يتحالف في مكان ويتنافس في مكان، في التاريخ نفسه وتحت الشعارات نفسها.
ثم هناك الاتهامات المتبادلة والصرخات. وبما أننا شعب تكنولوجي متقدم، أضفنا «تويتر» بفروعه كافة في الوطن والمهجر وسائر القارات. وعليّ أن أغرف كل يوم بكل هذا الهراء مع أنني لا ناقة لي فيه ولا جمل. ومن أؤيدهم بضميري وأماني ليسوا في حاجة إلى ورقتي. وليسوا بقلة. لكن القلة هي التي تحول هذا الخيار النبيل إلى كرنفال سمج.
جميع طرق الفرار مغلقة: الثلوج تغطي لندن وباريس، والحرارة في بلدي المحبوب 26 مئوية، ناهيك بالفهرنهايت. والمثل الشائع هنا أن السياسة خرّبت كل شيء إلا الطقس الجميل. لكن من شدة شعور الناس بالخوف وعدم الثقة يستدركون سريعاً بالقول: «اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم». لا ضمانات لشيء.