تقرير يكشف خفايا وزارة الدفاع.. وأين ذهبت ملياراتها
بعد سيطرة الجيش الوطني على مناطق واسعة في ليبيا، آخرها المنطقة الجنوبية، ونجاح القيادة العامة في تكوين نواة المؤسسة العسكرية وتحديدا في معركة الكرامة ضد الجماعات الإرهابية في بنغازي ودرنة، يغيب السؤال الكبير والمهم في المشهد العام الليبي، وهو أين كانت وزارات الدفاع الليبية بعد ثورة فبراير، وماذا قدّمت في ملفات أمنية وحساسة منها جمع السلاح المنتشر، ودعم ضباط وضباط الصف وتشجيعهم على العمل الدؤوب لإعادة الأمن في ليبيا؟ سؤال قد يُحرج بعض أطراف كانت في يومٍ سلطة تشريعية وتنفيذية وهي المسؤول الأول والأخير عمّا وصلت إليه ليبيا اليوم من فقدان السيطرة على الجهات المسلحة، نتيجة لدعمها اللامحدود لها في سنوات مضت، في وقت كانت فيه بنغازي تعيش جحيمًا حقيقيًا مع موجة الاغتيالات.
لا للجيش.. نعم للفوضى!
ليس عنوانا تهكّميًا بل واقعًا حقيقيا، وإجابة عن بعض الأسئلة التي كانت تحتاج لإجابات مُقنعة وشافية، لكل الليبيين، الذين كانوا ولازالوا يحلمون بمؤسسة عسكرية تحترم مهمنتها وتعمل على حفظ الأمن. ومن العام 2014 الذي كان بداية الفوضى الحقيقية بمباركة البعض ودعمهم لها:
أنفقت الدولة الليبية على وزارة الدفاع ورئاسة الأركان العامة للجيش أكثر من 17 مليار دينار، موزعة على العام 2012 و2013 و2014، وتجاوزت المبالغ التي أنفقت على الوزارة، فيما بعد ضمن أبواب الميزانية الثاني والثالث بقيمة 6 مليارات دينار ليبي أخرى، دون أي إنجاز على أرض الواقع للوزارة في فرض الأمن. وبررت الوزارة عدم الاستفادة من هذه الأرقام، لافتقارها المعدات العسكرية اللازمة لفرض الأمن العسكري، واستقرار الدولة.
أما فيما يخص مرتبات العاملين في وزارة الدفاع من ضباط وضباط صف ومدنيين، تجاوزت 3.6 مليار دينار في العام 2014، وبمعنى أكثر وضوحا، يشكف هذا المبلغ أن المرتبات تغطي 250 ألف شخص بمتوسط شهري 1200 دينار، ومع هذا لم ير الليبيون أي وجود لهذا الرقم الكبير من الذين كانوا يتقاضون هذه المرتبات من وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة التابعة للمؤتمر الوطني منذ استلامه السلطة التشريعية في ليبيا.
وبالعودة إلى أرض الواقع في تلك السنوات، يُلاحظ أن المؤتمر الوطني، كان تركيزه الأول والأخير، على دعم الدروع والكتائب المسلحة التابعة للمجالس العسكرية. ما أدّى إلى انتشار الفوضى وعدم مركزية القرار العسكري في ليبيا، وفقا للقوانين واللوائح المعمول بها.
وفي تقرير ديوان المحاسبة للعام 2014، أوضح بشكل أكثر دقّة، حول الأزمة التي أدّت إلى تغييب المؤسسة العسكرية وعدم دعمها بشكل مباشر، ففي الصفحة 128 من التقرير بخصوص” إجراءات التعاقد والتوريد والتخزين”، أشار التقرير إلى أن أغلب العقود والتوريدات كانت مخالفة للتشريعات المنظمة لعملها.
ولاحظ التقرير أن تجاوز الصلاحيات والاختصاصات وفقدان السيطرة فيما يتعلق بسلطة التحويل والتصرف، وهو ما أدّى إلى سوء الإدارة، وأعطى التقرير مثالا على ذلك، إصدار حرس الحدود تكليفات توريد لشراء سيارات بقيمة 19.841 مليون دينار وإبرام عقود توريد بقيمة 52.295 مليون دينار عن طريق رئيس اللجنة التسيرية للمشتريات العسكرية، دون أن يكون مُخوّلا بذلك.
ولم يقف الأمر في هذا الإنفاق عند هذا الحد، فالتقرير أشار إلى أن التجاوزات وصلت إلى عقود توريد طائرات بقيمة 786 مليون دينار وإبرام عقود توريد سيارات مدرّعة بقيمة 37 مليون دينار، دون تحديد الجهة الطالبة لهذه المعدات العسكرية وغيرها.
مخصصات الدفاع ليست للدفاع:
كشف التقرير السنوي لديوان المحاسبة 2014، أن وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة التابعة للمؤتمر الوطني العام، كانت تعاني من سوء صرف وبعشوائية، إضافة إلى رفض الوزارة حينها بتكليف مراقب مالي وفق التشريعات المالية. واستدعى التقرير بأمثلة منها، صرف مبالغ كبيرة على التشكيلات المسلحة في شكل مرتبات، دون مراعاة للتشريعات والنظم المعمول بها. وتحويل مبالغ كبيرة لحسابات مصرفية وتحميلها كمصروفات على أبواب الميزانية، دون وجود دعم مستندي معزز. وتحويل مبلغ 3.295.707 دنانير من حساب رئاسة الأركان، إلى حساب إدارة الحسابات العسكرية.
وبعدها قامت رئاسة الأركان العامة بتحويل مبالغ مالية بقيمة 43.240.211 دينارا من حساب الميزانية التسييرية الخاصة بالباب الأول، مخالفة بذلك المادة 16 من قانون النظام المالي للدولة. إضافة إلى سحبها على المكشوف من حساب الميزانية التسييرية “الباب الثاني” وبتاريخ 7/7/2014 وأصدرت الوزارة فيما بعد مجموعة من الصكوك بمبلغ 6.412.168 دينارا بالمخالفة للقانون المالي الدولة.
وأشار التقرير أن الوزارة لم تُسوِّ عهدتها في31 من ديسمبر 2014، وبلغ إجمالي العهد التي لم يتم تسويتها 44.862.853 دينارا بالمخالفة لنص المادة 188 من لائحة الميزانية والحسابات والمخازن. وكشف التقرير أن قيمة السيارات بمختلف أنواعها تم شراؤها من مخصصات التنمية للعام 2013 بلغت 135 مليون دينار، وأغلبها غير موجود على أرض الواقع. وأنه تم استنزاف مخصصات الباب الثالث في تاريخ 16 ديسمبر 2013 وبلغت القيمة 824 مليون دينار.
وكشف التقرير أن هناك بعض المبالغ لا تزال بحساب الوزارة، وتم التمويه بصرفها عن طريق معاملات واعتمادات غير حقيقية، وكان هذا في شهر ديسمبر 2014. وتم الإنفاق في مجمله على أمور لا تتعلق ببناء الجيش. وأوضح في سياق ذلك أن إدارة رئاسة الأركان العامة صرفت 10.181.227 دينارا لشراء سيارات، وتم تحميلها للسنة المالية للعام 2014، وأن إدارة الحسابات العسكرية قامت بتحويل مبلغ 240 مليون دينار، واستعمال السيولة الخاصة بالباب الأول وخالفت بذلك المادة 16 من قانون النظام المالي للدولة.
وفي ملف “وزارة الدفاع” التي نشره ديوان المحاسبة في تقريره للعام 2015، يكشف عن قيام مسؤولين بالإدارة العامة للحسابات العسكرية بتجزئة صكوك لصالح عدد من المستفيدين بقصد التهرب من رقابة الديوان، إضافة إلى مخالفات لنص المادة 99 من لائحة الميزانية والحسابات والمادة 46 من قانون رقم 19 لسنة 2013 في شأن إعادة تنظيم ديوان المحاسبة والمواد 9-10-14-15-34 من قانون الجرائم الاقتصادية والمواد 59-606 من قانون العقوبات.
وقد قام وزير الدفاع بإصدار القرار رقم 217 لسنة 2013 بشأن إيفاد طلبة للدراسة بالخارج، متجاوزا اختصاصاته وتحميلها على ميزانية الطوارئ بإدارة المشتريات العسكرية وبمخالفة نصوص مواد 10-11 من قانون النظام المالي للدولة. إضافة إلى قيام رئيس الحكومة ووزير المالية ورئيس الأركان العامة السابقين، بمخالفات وتجاوزات أثناء صرفهم مبلغ 900.000.000 دينار كمرتبات الدروع دون التقيد بإجراءات وضوابط الصرف. وبلغ حجم الإنفاق لوزارة الدفاع من العام 2012 إلى العام 2015 أكثر من 21 مليار دينار ليبي، منها 9 مليارات دينار تم إنفاقها على أبواب الميزانية الثاني والثالث والطوارئ. كما تم صرف مبلغ 12 مليار دينار كمرتبات على منتسبي وزارة الدفاع. واحتفظت الوزارة بمبالغ طائلة في مصارف مملوكة للدولة وغير المملوكة في العام 2015 وهذه الحسابات منها مُجمّدة بقرارات صادرة عن الديوان وبلغت 1.308 مليارات دينار.
وحول ملف التجهيزات العسكرية، أوضح التقرير أن الوزارة لم تعمل على آلية واضحة أو تخطيط لتفعيل القطاع العسكري وبناء الجيش وجمع السلاح الخارج عن السيطرة، بالرغم من انفاق أكثر من مليار دينار من ميزانية وزارة الدفاع خلال العام 2015، وسيّلت الوزارة مبلغ 644.552.396 دينارا وأُودعت بحساب رقم 2129 بمصرف ليبيا المركزي، إضافة إلى استعمالها للأرصدة المُرحّلة من العام 2014 والتي بلغت 360.880869 دينارا.
الثوار ما بعد فبراير:
وبالرجوع إلى ملف “مكافآت الثوار” في العام 2012، والذي يعتبر من أبرز الملفات ما بعد الثورة، تكشف المعلومات أن ما تم تحديده في قرار رقم 41 لسنة 2012، بشأن المكافآة 500 دينار للمتزوج و300 دينار لغير المتزوج، كان على الورق والوثائق فقط، حيث استلم المستفيدون من المكافآت، للمتزوج 400 دينار للمتزوج وغير المتزوج 200 دينار، بمعنى تم خصم مائة دينار من إجمالي المبالغ التي صُرفت للثوار حينها.
وبلغ إجمالي مكافآت الثوار 3652 مليون دينار، تشمل المبالغ المدفوعة والمبالغ الجاهزة للدفع، وتمت تغطية مبلغ 3000 مليون من الاحتياطي والمبلغ المنقول من مخصصات التنمية والباقي تم تغطيته من مخصصات وزارة الدفاع.
وكشف التقرير عن عدم وجود حصر دقيق لوسائل النقل بوزارة الدفاع من قبل هيئة التنظيم والادارة التابعة لرئاسة الأركان العامة، وذلك بمخالفة القانون رقم 11 لسنة 2012 بشأن أحكام صلاحيات المستويات القيادية بالجيش الليبي. إضافة إلى عدم وجود حصر دقيق لوسائل النقل التابعة للوزارة، رغما عن وجود مكتب للحركة تابع للشؤون الإدارية بالوزارة. وأيضا عدم تشكيل لجان مشتريات بالوزارة ولا حتى التكليف المباشر لتوفير الاحتياجات.
وكانت الحسابات العسكرية التابعة للوزارة في تقرير 2012، في الصفحة 66، وبعنوان “الجهات التابعة للقطاع”، وتناولت ما يلي: أرصدة السلف الخصوصية للعام 2012 حتى نوفمبر من العام ذاته 684 مليون دينار، ولاحظ التقرير توسعا في صرف السلف بدون قواعد تحدد سقف السلف والفترات الزمنية الواجب التسوية خلالها.
الخاتمة:
وتعكس التقارير السنوية لديوان المحاسبة من العام 2012 إلى العام 2015 الأسباب الحقيقية وراء غياب المؤسسة العسكرية وعدم وجودها على أرض الواقع. وما آلت إليه ليبيا في هذه السنوات التي تعتبر مفصلية أدّت إلى حروب وصعود جماعات متطرفة وانحسار تام للمؤسسات الرسمية للدولة.