تعنيف الأطفال.. مسلسل متكرر لانتهاك البراءة في ليبيا
تعنيف، ضرب مبرح، إهانات جارحة، تجويع، إيذاء نفسي وبدني، أمثلة مفزعة وواقعية لما يتعرض له بعض الأطفال الذين يقعون ضحية للعنف المنزلي والتفكك الأسري، الذي تحول إلى ظاهرة مجتمعية شهدت انتشاراً لافتاً في السنوات الأخيرة بالتزامن مع انتشار ثقافة العنف في المجتمع وضعف المعالجات الحكومية.
الطفل إبراهيم آخر ضحايا العنف الأسري في بنغازي، الذي نجا بأعجوبة من تعنيف والده بعد أن أدركه الجيران في حالة صحية سيئة، نتيجة اعتداء متكرر من والده الوافد الذي يحمل جنسية أجنبية، حسب ما تم تداوله على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، لتشكل الحادثة صدمة على صفحات التواصل الاجتماعي وتعاطفاً مع الطفل ووالدته التي عُثر عليها مكبلة بجانب صغيرها.
ورغم إيداع المتهم في مؤسسة الإصلاح والتأهيل بالكويفية، إلا أن القضية فتحت النقاش حول آليات المعالجة والتعامل مع حالات التعنيف الأسري في ظل غياب مراكز إصلاحية مؤهلة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالرعايا الأجانب الذين لا يحظون باهتمام رسمي، وسط غياب السفارات والتمثيليات الدبلوماسية لبلدانهم، كما لا يلحظ أي دور لوزارة الشؤون الاجتماعية سواء على صعيد التوعية المجتمعية أو التدخل في الحالات التي تتعرض فيها حياة الأطفال إلى الخطر.
ولا يواجه الأطفال في ليبيا خطر العنف المنزلي فحسب، وإنما يقعون ضحية لعصابات الخطف والابتزاز التي تستخدم الأطفال كوسيلة للحصول على مبالغ مالية من عائلاتهم، أو ضحايا لعمليات تصفية وانتقام مع انتشار السلاح والإفلات من العقاب، كما حصل مع أطفال الشرشاري الثلاثة أو الطفل مصطفى البركولي المختطف في مدينة سبها منذ نحو عام دون أي تحرك أمني يُذكر.
وضع أمني متفلت يدفع ثمنه الأطفال، حيث رصدت منظمة اليونيسيف الأممية في تقريرها السنوي الصادر عام 2020 إجبار 90 ألف طفل على الفرار من منازلهم بجوار أهاليهم، ليصبحوا في عداد النازحين، نتيجة للحروب الأهلية التي تعصف بالبلاد، كما تركت حوالي 200 ألف طفل خارج مقاعد الدراسة، وهي عينة عملية لما يمكن أن يدفعه الأطفال مع اندلاع شرارة الحرب.
وتبقى التوعية المجتمعية على رأس الأولويات في ظل مجتمع متساهل ومتجاهل لخطورة الاعتداء على البراءة، حيث يستسيغ الكثيرين تعنيف الأطفال ويرونه وسيلة متوارثة تمنح الأب سلطة التربية والتأديب دون أي تجريم أو ملاحقة قانونية، يغذيها سلوك ظاهر في الشارع الليبي الذي يشهد عنفاً لفظياً متزايداً وحدية في التعامل مع ضغوط الحياة الاقتصادية والاجتماعية.